لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٤٠
أجاب أصحابنا عن هذه الاعتراضات بأن الدلائل العقلية قد دلت على إمكان وقوع رؤية اللّه تعالى في الآخرة وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية اللّه تعالى وجاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الرؤية وجب المصير إليها وإجراؤها على ظواهرها من غير تشبيه ولا إحاطة.
وأجيب عن قولهم ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه بأن المزيد عليه إذا كان بمقدار معين كانت الزيادة من جنسه وإذا لم يكن بمقدار معين وجب أن تكون الزيادة مخالفة له فالمذكور في الآية لفظ الحسنى وهي الجن ونعيمها غير مقدر بقدر معين فوجب أن الزيادة تكون شيئا مغايرا لنعيم الجنة وذلك المغاير هو الرؤية.
وأجيب عن قولهم ولأن جماعة من المفسرين حملوا الزيادة على غير الرؤية بأنه معارض بقول جماعة من المفسرين : بأن الزيادة هي الرؤية والمثبت مقدم على النافي واللّه أعلم.
القول الثاني : في معنى هذه الزيادة ما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.
القول الثالث : إن الحسنى واحدة الحسنات والزيادة التضعيف إلى تمام العشرة إلى سبعمائة.
قال ابن عباس : هو مثل قوله سبحانه وتعالى : وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله.
قال قتادة : كان الحسن يقول : الزيادة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
القول الرابع : إن الحسنى حسنة مثل حسنة والزيادة مغفرة من اللّه ورضوان قاله مجاهد.
القول الخامس : قول ابن زيد أن الحسنى هي الجنة والزيادة ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة وقوله سبحانه وتعالى : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ يعني ولا يغشى وجوه أهل الجنة قَتَرٌ أي كآبة ولا كسوف ولا غبار.
وقال ابن عباس : هوسواد الوجوه وَلا ذِلَّةٌ يعني ولا هوان. قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى : أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني أن هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أصحاب الجنة لا غيرهم وهم فيها مقيمون لا يخرجون منها أبدا.
قوله سبحانه وتعالى : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها اعلم أنه لما شرح اللّه سبحانه وتعالى أحوال المحسنين وما أعد لهم من الكرامة شرح في الآية حال من أقدم على السيئات والمراد بهم الكفار فقال سبحانه وتعالى : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ. يعني : والذين عملوا السيئات والمراد بها الكفر والمعاصي جزاء سيئة بمثلها يعني فلهم جزاء السيئة التي عملوها مثلها العقاب. والمقصود من هذا التقييد، التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة وذلك تفضلا منه وتكرما. وأما السيئات، فإنه يجازي عليها بمثلها عدلا منه سبحانه وتعالى : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ قال ابن عباس : يغشاهم ذل وشدة. وقيل : يغشاهم ذل وهوان لعقاب اللّه إياهم ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني ما لهم مانع يمنعهم من عذاب اللّه إذا نزل بهم كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يعني كأنما ألبست وجوههم سوادا من الليل المظلم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قوله سبحانه وتعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد والمعنى ويوم نجمع الخلائق جميعا لموقف الحساب وهو يوم القيامة ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه حتى تسألوا وفي هذا


الصفحة التالية
Icon