لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٤٦
من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه أثر الفاني على الباقي وَما كانُوا مُهْتَدِينَ يعني إلى ما يصلحهم وينجيهم من هذا الخسار.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٦ الى ٥٠]
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠)
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يعني يا محمد بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني ما نعدهم به من العذاب في الدنيا فذاك أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نريك ذلك الوعد في الدنيا فإنك ستراه في الآخرة وهو قوله سبحانه وتعالى : فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يعني في الآخرة وفيه دليل على أن اللّه يري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنواعا من عذاب الكافرين وذلهم وخزيهم في حال حياته في الدنيا وقد أراه ذلك في يوم بدر وغيره من الأيام وسير به ما أعد لهم من العذاب في الآخرة بسبب كفرهم وتكذيبهم ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ فيه وعيد وتهديد لهم يعني أنه سبحانه وتعالى شاهد على أفعالهم التي فعلوها في الدنيا فيجازيهم عليها يوم القيامة.
قوله عز وجل : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ لما بيّن اللّه عز وجل حال محمد صلى اللّه عليه وسلم مع قومه بيّن أن حال الأنبياء مع أممهم كذلك فقال تعالى : ولكل أمة، يعني قد خلت وتقدمت قبلكم، رسول يعني : مبعوثا إليهم يدعو إلى اللّه وإلى طاعته والإيمان به فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ في هذا الكلام إضمار تقديره، فإذا جاءهم رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعني حكم بينهم بالعدل وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان : أحدهما : أنه في الدنيا وذلك أن اللّه سبحانه وتعالى أرسل إلى كل أمة رسولا لتبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإزالة العذر فإذا كذبوا رسلهم وخالفوا أمر اللّه قضى بينهم، وبين رسلهم في الدنيا فيهلك الكافرين وينجي رسلهم والمؤمنين ويكون ذلك عدلا لا ظلما لأن قبل مجيء الرسول لا يكون ثوابا ولا عقابا.
القول الثاني : إن وقت القضاء في الآخرة وذلك أن اللّه إذا جمع الأمم يوم القيامة للحساب والقضاء بينهم والفصل بين المؤمن والكافر والطائع والعاصي جيء بالرسل لتشهد عليهم. والمراد من ذلك، المبالغة في إظهار العدل، وهو قوله تعالى : وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني من جزاء أعمالهم شيئا ولكن يجازي كل أحد على قدر عمله.
وقيل : معناه أنهم لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم وَيَقُولُونَ يعني هؤلاء الكفار مَتى هذَا الْوَعْدُ يعني الذي تعدنا به يا محمد من نزول العذاب وقيل قيام الساعة، وإنما قالوا ذلك على وجه التكذيب والاستبعاد إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني فيما تعدونا به، وإنما قالوا بلفظ الجمع لأن كل أمة قالت لرسولها كذلك أو يكون المعنى : إن كنتم صادقين أنت وأتباعك يا محمد أو ذكروه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم قُلْ أي : قل لهم يا محمد لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعني لا أملك لنفسي دفع ضر أو جلب نفع ولا أقدر على ذلك إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ يعني أن أقدر عليه أو أملكه. والمعنى : أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصر للأولياء وعلم قيام الساعة لا يقدر عليه إلا اللّه فتعيين الوقت إلى اللّه سبحانه وتعالى بحسب مشيئته ثم إذا حضر ذلك الوقت الذي وقته اللّه لحدوث هذه الأشياء فإنه يحدث لا محالة وهو قوله سبحانه وتعالى : لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي مدة مضروبة ووقت معين إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني إذا انقضت مدة أعمارهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ يعني لا يتأخرون عن ذلك الأجل الذي أجل لهم ولا يتقدمونه قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً يعني ليلا يقال بات