لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٥١
ولا يخافون». ويروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«قال اللّه تبارك وتعالى إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وروى الطبري بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إن من عباد اللّه عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل من هم يا رسول اللّه لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في اللّه من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» الغبطة نوع من الحسد إلا أن الحسد مذموم والغبطة محمودة والفرق بين الحسد والغبطة أن الحاسد يتمنى زوال ما على المحسود من النعمة ونحوها والغبطة هي أن يتمنى الغابط مثل تلك النعمة التي هي على المغبوط من غير زوال عنه.
وقال أبو بكر الأصم : أولياء اللّه هم الذين تولى اللّه هدايتهم وتولوا القيام بحق العبودية للّه والدعوة إليه.
وأصل الولي من الولاء وهو القرب والنصرة فولي اللّه هو الذي يتقرب إلى اللّه بكل ما افترض عليه ويكون مشتعلا باللّه مستغرق القلب في معرفة نور جلال اللّه فإن رأى رأى دلائل قدرة اللّه وإن سمع سمع آيات اللّه وإن نطق نطق بالثناء على اللّه وإن تحرك تحرك في طاعة اللّه وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى اللّه لا يفتر عن ذكر اللّه ولا يرى بقلبه غير اللّه، فهذه صفة أولياء اللّه وإذا كان العبد كذلك كان اللّه وليه وناصره ومعينه قال اللّه تعالى :
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا.
وقال المتكلمون : ولي اللّه من كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتيا بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة وإليه الإشارة بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ وهو أن الإيمان مبني على جميع الاعتقاد والعمل ومقام التقوى هو أن يتقي العبد كل ما نهى اللّه عنه وقوله سبحانه وتعالى : لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، يعني في الآخرة إذ خاف غيرهم ولا هم يحزنون يعني على شيء فاتهم من نعيم الدنيا ولذاتها.
قال بعض المحققين : زوال الخوف والحزن عنهم إنما يحصل لهم في الآخرة لأن الدنيا لا تخلو من هم وغم وأنكاد وحزن.
قال بعض العارفين : إن الولاية عبارة عن القرب من اللّه ودوام الاشتغال باللّه وإذا كان العبد بهذه الحالة فلا يخاف من شيء ولا يحزن على شيء لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن.
وأما قوله سبحانه وتعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ فقد تقدم تفسيره وأنه صفة لأولياء اللّه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)
وقوله سبحانه وتعالى : هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
اختلفوا في هذه البشرى، فروي عن عبادة بن الصامت قال «سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» أخرجه الترمذي.
وله عن رجل من أهل مصر قال «سألت أبا الدرداء عن هذه الآية لهم البشرى في الحياة الدنيا قال : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنها وقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» قال الترمذي حديث حسن (خ).
عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة» (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن


الصفحة التالية
Icon