لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٧٣
قبضة من صفاء الماء ثم فتح القبضة فارتفع دخان ثم قضاهن سبع سموات في يومين ثم أخذ سبحانه وتعالى طينة من الماء فوضعها مكان البيت ثم دحا الأرض منها ثم خلق الأقوات في يومين والسموات في يومين والأرض في يومين ثم فرغ آخر الخلق وفي اليوم السابع. قال بعض العلماء : وفي خلق جميع الأشياء وجعلها على الماء ما يدل على كمال القدرة لأن البناء الضعيف إذا لم يكن له أساس على أرض صلبة لم يثبت فكيف بهذا الخلق العظيم وهو العرش والسموات والأرض على الماء فهذا يدل على كمال قدرة اللّه تعالى (خ) عن عمران بن حصين قال «دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتى ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا يا رسول اللّه ثم قالوا جئنا لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان اللّه سبحانه وتعالى ولم يكن معه شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب يقطع دونها وايم اللّه لوددت أنها ذهبت ولم أقم» عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول اللّه أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وخلق عرشه على الماء» أخرجه الترمذي، وقال قال أحمد : يريد بالعماء أنه ليس معه شيء قال أبو بكر البيهقي : في كتاب الأسماء والصفات له قوله صلى اللّه عليه وسلم «كان اللّه ولم يكن شيء قبله، يعني لا الماء ولا العرش ولا غيرهما وقوله «و كان عرشه على الماء» يعني وخلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء، وقوله في عماء وجدته في كتاب عماء مقيدا بالمد فإن كان في الأصل ممدودا فمعناه سحاب رقيق ويريد
بقوله في عماء أي فوق سحاب مدبرا له وعاليا عليه كما قال سبحانه وتعالى «أ أمنتم من في السماء» يعني من فوق السماء وقال تعالى : لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يعني على جذوعها وقوله ما فوقه هواء أي ما فوق السحاب هواء وكذلك قوله وما تحته هواء أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور والعمى إذا كان مقصورا فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء فكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء لأن ذلك إن كان غير شيء فليس يثبت له هواء بوجه واللّه أعلم وقال الهروي صاحب الغريبين : قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فحذف المضاف اختصارا كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى : وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ هذا آخر كلام البيهقي، وقال ابن الأثير : العماء في اللغة السحاب الرقيق وقيل : الكثيف وقيل : هو الضباب ولا بد في الحديث من حذف مضاف، تقديره أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى : وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ وحكي عن بعضهم في العمى المقصور أنه قال هو كل أمر لا يدركه الفطن، وقال الأزهري : قال أبو عبيد إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء قال الأزهري : فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته (م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول «كتب اللّه مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» وفي رواية «فرغ اللّه من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السموات والأرض
وكان عرشه على الماء بخمسين ألف سنة»
قوله فرغ يريد إتمام خلق المقادير لا أنه كان مشغولا ففرغ منه لأن اللّه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
قوله سبحانه وتعالى : لِيَبْلُوَكُمْ يعني ليختبركم وهو أعلم بكم منكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا يعني بطاعة اللّه وأورع عن محارم اللّه وَلَئِنْ قُلْتَ يعني ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ يعني للحساب والجزاء لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعنون القرآن.


الصفحة التالية
Icon