لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٧٨
عما في الجنان ويظهره جعل كالشاهد له لأن اللسان هو آلة الفصل والبيان وبه يتلى القرآن وقال مجاهد الشاهد هو ملك يحفظ النبي صلى اللّه عليه وسلم ويسدده وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هو القرآن لأن إعجازه وبلاغته وحسن نظامه يشهد للنبي صلى اللّه عليه وسلم بنبوته ولأنه أعظم معجزاته الباقية على طول الدهر، وقال الحسين بن علي وابن زيد : الشاهد منه هو محمد صلى اللّه عليه وسلم ووجه هذا القول أن من نظر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بعين العقل والبصيرة علم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون، وقال جابر بن عبد اللّه قال علي بن أبي طالب : ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل وأنت أي آية نزلت فيك فقال على ما تقرأ الآية التي في هود ويتلوه شاهد منه فعلى هذا القول يكون الشاهد علي بن أبي طالب وقوله يعني من النبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد تشريف هذا الشاهد وهو علي لاتصاله بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وقيل يتلوه شاهد منه يعني الإنجيل وهو اختيار الفراء والمعنى أن الإنجيل يتلو القرآن في التصديق بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم والأمر بالإيمان به وإن كان قد نزل قبل القرآن.
وقوله سبحانه وتعالى : وَمِنْ قَبْلِهِ يعني ومن قبل نزول القرآن وإرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم كِتابُ مُوسى يعني التوراة إِماماً وَرَحْمَةً يعني أنه كان إماما لهم يرجعون إليه في أمور الدين والأحكام والشرائع وكونه رحمة لأنه الهادي من الضلال وذلك سبب حصول الرحمة وقوله تعالى : أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني أن الذين وصفهم اللّه بأنهم على بينة من ربهم هم المشار إليهم بقوله أولئك يؤمنون به يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وقيل أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وأصحابه وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم مِنَ الْأَحْزابِ يعني من جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة فتدخل فيه اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وغيرهم والأحزاب الفرق الذين تحزبوا وتجمعوا على مخالفة الأنبياء فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «و الذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» قال سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب اللّه عز وجل حتى بلغني هذا الحديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة الحديث، قال سعيد : فقلت أين هذا في كتاب اللّه حتى أتيت على هذه الآية وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إلى قوله سبحانه وتعالى : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ قال فالأحزاب أهل الملل كلها ثم قال سبحانه وتعالى : فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فيه قولان أحدهما أن معناه فلا تك في شك من صحة هذا الدين ومن كون القرآن نازلا من عند اللّه فعلى هذا القول يكون متعلقا بما قبله من قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ والقول
الثاني : إنه راجع إلى قوله وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يعني فلا تك في شك من أن النار موعد من كفر من الأحزاب والخطاب في قوله فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد به غيره لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يشك قط ويعضد هذا القول سياق الآية وهو قوله سبحانه وتعالى : وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ يعني لا يصدقون بما أوحينا إليك أو من أن موعد الكفار النار.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)
قوله عز وجل : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني أي الناس أشد تعديا ممن اختلق على اللّه كذبا فكذب عليه وزعم أن له شريكا أو ولدا وفي الآية دليل على أن الكذب على اللّه من أعظم أنواع الظلم لأن قوله


الصفحة التالية
Icon