لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٨
شرائعه فإذا فعلوا ذلك كانوا قائمين بحفظه وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ يعني : أن هؤلاء النبيين والربانيين والأحبار كانوا شهداء على كتاب اللّه تعالى ويعلمون أنه حق وصدق وأنه من عند اللّه فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ هذا خطاب لحكام اليهود الذين كانوا في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعني لا تخافوا أحدا من الناس في إظهار صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم والعمل بالرجم واخشون يعني في كتمان ذلك وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا يعني ولا تستبدلوا بآيات اللّه وأحكامه ثمنا قليلا يعني الرشوة في الأحكام والجاه عند الناس ورضاهم والمعنى كما نهيتكم عن تغير الأحكام لأجل خوف الناس كذلك أنهاكم عن التغيير والتبديل لأجل الطمع في المال والجاه وأخذ الرشوة فإن كل متاع
الدنيا قليل وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ بمعنى : أن اليهود لما أنكروا حكم اللّه تعالى المنصوص عليه في التوراة وقالوا إنه غير واجب عليهم، فهم كافرون على الإطلاق بموسى والتوراة وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآيات الثلاث وهي قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فقال جماعة من المفسرين : الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غير حكم اللّه من اليهود، لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة، لا يقال إنه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك. ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب قال أنزل اللّه تبارك وتعالى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في الكفار كلها أخرجه مسلم وعن ابن عباس قال وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ إلى قوله هم الفاسقون هذه الآيات الثلاث في اليهود خاصة قريظة والنضير أخرجه أبو داود. وقال مجاهد : في هذه الآيات الثلاث من ترك الحكم بما أنزل اللّه ردا لكتاب اللّه فهو كافر ظالم فاسق. وقال عكرمة ومن لم يحكم بما أنزل اللّه جاحدا به فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق وهذا قول ابن عباس أيضا واختار الزجاج لأنه قال : من زعم أنّ حكما من أحكام اللّه تعالى التي أتانا بها الأنبياء باطل فهو كافر.
وقال طاوس : قلت لابن عباس أكافر من لم يحكم بما أنزل اللّه؟ فقال : به كفر وليس بكفر ينقل عن الملة كمن كفر باللّه وملائكته ورسله واليوم الآخر ونحو هذا روي عن عطاء. قال : هو كفر دون الكفر. وقال ابن مسعود والحسن والنخعي : هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة فكل من ارتشى وبدل الحكم فحكم بغير حكم اللّه فقد كفر وظلم وفسق وإليه ذهب السدي لأنه ظاهر الخطاب. وقيل : هذا فيمن علم نص حكم اللّه ثم رده عيانا عمدا وحكم بغيره وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد واللّه أعلم بمراده.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٥]
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)
قوله تعالى : وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ يعني : وفرضنا على بني إسرائيل في التوراة أن نفس القاتل بنفس المقتول وفاقا فيقتل به وذلك أن اللّه تعالى حكم في التوراة أن على الزاني المحصن الرجم وأخبر أن اليهود بدّلوه وغيروه وأخبر أيضا أن في التوراة أن النفس بالنفس وأن هؤلاء اليهود غيروا هذا الحكم وبدلوه ففضلوا بني النضير على بني قريظة فكان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا إليهم نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة فغيروا حكم اللّه الذي أنزل في التوراة.
قال ابن عباس : أخبر اللّه بحكمه في التوراة وهو أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن