لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٨١
مِثْلَنا يعني آدميا مثلنا لا فضل لك علينا لأن التفاوت الحاصل بين آحاد البشر يمتنع اشتهاره إلى حيث يصير الواحد منهم واجب الطاعة على جميع العالم وإنما قالوا هذه المقالة وتمسكوا بهذه الشبهة جهلا منهم لأن من حق الرسول أن يباشر الأمة بالدعوة إلى اللّه تعالى بإقامة الدليل والبرهان على ذلك ويظهر المعجزة الدالة على صدقه ولا يأتي ذلك إلا من آحاد البشر وهو من اختصه اللّه بكرامته وشرفه بنبوته وأرسله إلى عباده ثم قال سبحانه وتعالى إخبارا عن قوم نوح وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا يعني سفلتنا والرذل الدون من كل شيء قيل هم الحاكة والأساكفة وأصحاب الصنائع الخسيسة وإنما قالوا ذلك جهلا منهم أيضا لأن الرفعة في الذين ومتابعة الرسول لا تكون بالشرف ولا بالمال والمناصب العالية بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل ولا يضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين بادِيَ الرَّأْيِ يعني أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك، ولو تفكروا ما اتبعوك.
وقيل : معناه ظاهر الرأي، يعني أنهم اتبعوك ظاهرا من غير أن تفكروا باطنا وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يعني بالمال والشرف والجاه وهذا القول أيضا جهل منهم لأن الفضيلة المعتبرة عند اللّه بالإيمان والطاعة لا بالشرف والرياسة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ قيل الخطاب لنوح ومن آمن معه من قومه وقيل هو لنوح وحده فعلى هذا يكون الخطاب بلفظ الجمع للواحد على سبيل التعظيم قالَ يعني نوحا يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني على بيان ويقين من ربي بالذي أنذرتكم به وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ يعني هديا ومعرفة ونبوة فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ يعني خفيت وألبست عليكم أَنُلْزِمُكُمُوها الهاء عائدة إلى الرحمة والمعنى أنلزمكم أيها القوم قبول الرحمة يعني أنا لا نقدر أن نلزمكم ذلك من عند أنفسنا وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ وهذا استفهام معناه الإنكار أي لا أقدر على ذلك والذي أقدر عليه أن أدعوكم إلى اللّه وليس لي أن أضطركم إلى ذلك قال قتادة واللّه لو استطاع نبي صلى اللّه عليه وسلم لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا يعني لا أسألكم ولا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا وذلك أنهم طلبوا من نوح أن يطرد الذين آمنوا وهم الأرذلون في زعمهم فقال ما يجوز لي ذلك لأنهم يعتقدون إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فلا أطردهم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ يعني عظمة اللّه ووحدانيته وربوبيته وقيل معناه إنكم تجهلون أن هؤلاء المؤمنين خير منكم وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ يعني من يمنعني من عذاب اللّه إن طردتهم عني لأنهم مؤمنون مخلصون أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني فتتعظون.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ هذا عطف على قوله لا أسألكم عليه مالا والمعنى لا أسألكم عليه مالا ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه يعني التي لا يفنيها شيء فأدعوكم إلى اتباعي عليها لأعطيكم منها وقال ابن الأنباري الخزائن هنا بمعنى غيوب اللّه وما هو منطو عن الخلق وإنما وجب أن يكون هذا جوابا من نوح عليه


الصفحة التالية
Icon