لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٩٥
تقديره أخذ يجادلنا أو جعل يجادلنا ويخاصمنا وقيل معناه يكلمنا ويسألنا فِي قَوْمِ لُوطٍ لأن العبد لا يقدر أن يخاصم ربه وقال جمهور المفسرين : معناه يجادل رسلنا في قوم لوط وكانت مجادلة إبراهيم مع الملائكة أن قال لهم أرأيتم لو كان في مدائن قوم لوط خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا قال فما زال كذلك حتى بلغ خمسة قالوا لا قال أرأيتم لو كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها قالوا لا قال إبراهيم فإن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وقيل إنما طلب إبراهيم تأخير العذاب عنهم لعلهم يؤمنون أو يرجعون عما هم فيه من الكفر والمعاصي، قال ابن جريج :
كان في قرى قوم لوط أربعة آلاف مقاتل إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ تقدم تفسيره في سورة التوبة فعند ذلك قالت الملائكة لإبراهيم يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا يعني أعرض عن هذا المقال واترك هذا الجدال إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني : إن ربك قد حكم بعذابهم فهو نازل بهم وهو قوله سبحانه وتعالى : وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ يعني أن العذاب الذي نزل بهم غير مصروف ولا مدفوع عنهم.
وقوله عز وجل : وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً يعني : هؤلاء الملائكة الذين كانوا عند إبراهيم وكانوا على صورة غلمان مرد حسان الوجوه سِيءَ بِهِمْ يعني أحزن لوط بمجيئهم إليه وساء ظنه بقومه وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قال الأزهري : الذي يوضع موضع الطاقة والأصل فيه أن البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طوقه ضاق ذرعه من ذلك وضعف ومد عنقه فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة والمعنى وضاق بهم ذرعا إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصا، وقال غيره : معناه ضاق بهم قلبا وصدرا ولا يعرف أصله إلا أن يقال إن الذرع كناية عن الوسع، والعرب تقول : ليس هذا في يدي يعنون ليس هذا في وسعي لأن الذراع من اليد ويقال ضاق فلان ذرعا بكذا إذا وقع في مكروه ولا يطيق الخروج منه وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه وخاف أن يقصدوهم بمكروه أو فاحشة وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم وَقالَ يعني لوطا هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي : شديد كأنه قد عصب به الشر والبلاء أي شد به مأخوذ من العصابة التي تشد بها الرأس، قال قتادة والسدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار وهو يعمل في أرض له وقيل أنه كان يحتطب وقد قال اللّه سبحانه وتعالى للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فاستضافوه فانطلق بهم فلما مشى ساعة قال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرهم قال أشهد باللّه إنها لشر قرية في الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات فمضوا معه حتى دخلوا منزله وقيل : إنه لما حمل الحطب ومعه الملائكة مر على جماعة من قومه فتغامزوا فيما بينهم فقال لوط إن قومي شر خلق اللّه تعالى، فقال جبريل : هذه واحدة فمر على جماعة أخرى فتغامزوا فقال مثله ثم مر على جماعة أخرى ففعلوا ذلك وقال لوط مثل ما قال أولا حتى قال ذلك
أربع مرات وكلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة اشهدوا وقيل إن الملائكة جاءوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره فدخلوا عليه ولم يعلم أحد بمجيئهم إلا أهل بيت لوط فخرجت امرأته الخبيثة فأخبرت قومها وقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط ولا أحسن منهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٧٨ الى ٨٠]
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قال ابن عباس وقتادة يسرعون إليه وقال مجاهد يهرولون، وقال الحسن :