لباب التأويل، ج ٢، ص : ٥٠٥
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٩ الى ١١١]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)
قوله سبحانه وتعالى : فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ يعني فلا تك في شك يا محمد في هذه الأصنام التي يعبدها هؤلاء الكفار فإنها لا تضر ولا تنفع ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ يعني أنه ليس لهم في عبادة هذه الأصنام مستند إلا أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فعبدوها مثلهم وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ يعني وإنا مع عبادتهم هذه الأصنام نرزقهم الرزق الذي قدرناه لهم من غير نقص فيه ويحتمل أن يكون المراد من توفية نصيبهم يعني من العذاب الذي قدر لهم في الآخرة كاملا موفرا غير ناقص.
قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني في الكتاب فمنهم مصدق به ومكذب به كما فعل قومك يا محمد بالقرآن ففيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة لكان الذي يستحقونه من تعجيل العقوبة في الدنيا على كفرهم وتكذيبهم وهو قوله تبارك وتعالى : لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني لعذبوا في الحال وفرغ من عذابهم وإهلاكهم وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعني من القرآن ونزوله عليك يا محمد مُرِيبٍ يعني أنهم قد وقعوا في الريب والتهمة وَإِنَّ كُلًّا يعني من الفريقين المختلفين المصدق والمكذب لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ اللام لام القسم تقديره واللّه ليوفينهم جزاء أعمالهم في القيامة فيجازي المصدق على تصديقه الجنة ويجازي المكذب على تكذيبه النار إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده وإن دقت ففيه وعد للمحسنين المصدقين وفيه وعيد وتهديد للمكذبين الكافرين.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٢ الى ١١٥]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
قوله سبحانه وتعالى : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ الخطاب فيه للنبي صلى اللّه عليه وسلم يعني فاستقم يا محمد على دين ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرك ربك والأمر في فاستقم للتأكيد لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان على الاستقامة لم يزل عليها كقولك للقائم قم حتى آتيك أي دم على ما أنت عليه من القيام حتى آتيك وَمَنْ تابَ مَعَكَ يعني ومن آمن معك من أمتك فليستقيموا أيضا على دين اللّه والعمل بطاعته قال عمر بن الخطاب : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ منه روغان الثعلب (م). عن سفيان بن عبد اللّه الثقفي قال : قلت يا رسول اللّه قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال «قل آمنت باللّه ثم استقم» وَلا تَطْغَوْا يعني ولا تجاوزوا أمري إلى غيره ولا تعصوني وقيل معناه ولا تغلوا في الدين فتجاوزوا ما أمرتكم به ونهيتكم عنه إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها قال ابن عباس : ما نزلت آية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هي أشد عليه من هذه الآية ولذلك قال شيبتني هود وأخواتها (خ) عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» قوله : إن الدين يسر، اليسر ضد العسر وأراد به التسهيل في الدين وترك التشدد فإن هذا الدين مع يسره وسهولته قوي فلن يغالب ولن يقاوى فسددوا أي اقصدوا السداد من الأمور وهو الصواب وقاربوا أي اطلبوا المقاربة وهي القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير والغدوة الرواح بكرة والرواح الرجوع عشيا والمراد منه اعملوا أطراف النهار وقتا وقتا والدلجة


الصفحة التالية
Icon