لباب التأويل، ج ٢، ص : ٥١٦
ذهابهم به ومفارقته إياه يحزنه لأنه كان لا يقدر أن يصبر عنه ساعة والثاني قوله وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ يعني إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم وذلك أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان رأى في المنام أن ذئبا شد على يوسف عليه الصلاة والسلام فكان يعقوب يخاف عليه من ذلك وقيل كانت الذئاب في أرضهم كثيرة قالُوا يعني قال إخوة يوسف مجيبين ليعقوب لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي جماعة عشرة رجال إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ يعني عجزة ضعفاء وقيل إنهم خافوا أن يدعو عليهم يعقوب بالخسار والبوار وقيل معناه إنا إذا لم نقدر على حفظ أخينا فكيف نقدر على حفظ مواشينا فنحن إذا خاسرون.
قوله عز وجل : فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ فيه إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلما ذهبوا به وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يعني وعزموا على أن يلقوه في غيابة الجب.
(ذكر قصة ذهابهم بيوسف عليه الصلاة والسلام) قال وهب، وغيره من أهل السير والأخبار : إن إخوة يوسف قالوا له أما تشتاق أن تخرج معنا إلى مواشينا فنصيد ونستبق قال بلى قالوا له أنسأل أباك أن يرسلك معنا، قال يوسف : افعلوا فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا : يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا إلى مواشينا فقال يعقوب : ما تقول يا بني؟ قال : نعم يا أبت إني أرى من إخوتي اللين واللطف فأحب أن تأذن لي، وكان يعقوب يكره مفارقته ويحب مرضاته فأذن له وأرسله معهم فلما خرجوا به من عند يعقوب جعلوا يحملونه على رقابهم ويعقوب ينظر إليهم فلما بعدوا عنه وصاروا إلى الصحراء وألقوه على الأرض وأظهروا له ما في أنفسهم من العداوة وأغلظوا له القول وجعلوا يضربونه فجعل كلما جاء إلى واحد منهم واستغاث به ضربه فلما فطن لما عزموا عليه من قتله جعل ينادي يا أبتاه يا يعقوب لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك وجعل يبكي بكاء شديدا فأخذه روبيل وجلد به الأرض ثم جثم على صدره وأراد قتله، فقال له يوسف : مهلا يا أخي لا تقتلني، فقال له : يا ابن راحيل أنت صاحب الأحلام قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ولوى عنقه، فاستغاث يوسف بيهوذا وقال له اتق اللّه فيّ وحلّ بيني وبين من يريد قتلي فأدركته رحمة الإخوة ورق له فقال يهوذا يا إخوتي ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أهون لكم وأرفق به فقالوا وما هو قال تلقونه في هذا الجبّ إما أن يموت أو يلتقطه بعض السيارة فانطلقوا به إلى بئر هناك على غير الطريق واسع الأسفل ضيق الرأس فجعلوا يدلونه في البئر فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي لأستتر به في الجب فقالوا ادع الشمس والقمر والكواكب تخلصك وتؤنسك فقال إني لم أر شيئا فألقوه فيها ثم قال لهم يا إخوتاه أتدعوني فيها فريدا وحيدا وقيل
جعلوه في دلو ثم أرسلوه فيها، فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة كانت في البئر فقام عليها وقيل نزل عليه ملك فحل يديه وأخرج له صخرة من البئر فأجلسه عليها، وقيل إنهم لما ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنها رحمة أدركته فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه فمنعهم يهوذا من ذلك وقيل إن يعقوب لما بعثه مع أخوته أخرج له قميص إبراهيم الذي كساه اللّه إياه من الجنة حين ألقي في النار فجعله يعقوب في قصبة فضة وجعلها في عنق يوسف فألبسه الملك إياه حين ألقي في الجب فأضاء له الجب. وقال الحسن : لما ألقي يوسف في الجب عذب ماؤه فكان يكفيه عن الطعام والشراب ودخل عليه جبريل فأنس به فلما أمسى نهض جبريل ليذهب فقال له إنك إذا خرجت استوحشت فقال له إذا رهبت شيئا فقل يا صريخ المستصرخين ويا غوث المستغيثين ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها يوسف حفته الملائكة واستأنس في الجب، وقال محمد بن مسلم الطائفي : لما ألقي يوسف في الجب قال : يا شاهدا غير غائب ويا قريبا غير بعيد ويا غالبا غير


الصفحة التالية
Icon