لباب التأويل، ج ٢، ص : ٥٢٥
يقل من الخاطئات تغليبا لجنس الرجال على النساء وقيل إنه لم يقصد به الخبر عن النساء بل قصد الخبر عن كل ما يفعل هذا الفعل تقديره إنك كنت من القوم الخاطئين فهو كقوله وكانت من القانتين.
قوله عز وجل : وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ يعني وقال جماعة من النساء وكنّ خمسا وقيل كن أربعا وذلك لما شاع خبر يوسف والمرأة في مدينة مصر وقيل هي مدينة عين الشمس وتحدثت النساء فيما بينهن بذلك وهن امرأة حاجب الملك وامرأة صاحب دوابه وامرأة خبازه وامرأة ساقيه وامرأة صاحب سجنه وقيل نسوة من أشراف مصر امرأة العزيز يعني زليخا تراود فتاها عن نفسه يعني تراود عبدها الكنعاني عن نفسه لأنها تطلب منه الفاحشة وهو يمتنع منها والفتى الشاب الحديث السن قَدْ شَغَفَها حُبًّا يعني قد علقها حبا والشغاف جلدة محيطة بالقلب يقال لها غلاف القلب والمعنى أن حبه دخل الجلدة حتى أصاب القلب وقيل إن حبه قد أحاط بقلبها كإحاطة الشغاف بالقلب قال الكلبي حجب حبه قلبها حتى لا تعقل شيئا سواه إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني في خطأ بيّن ظاهر حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفاف والستر وأحبت فتاها.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣١]
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ يعني فلما سمعت زليخا بقولهن وما تحدثن به إنما سمى قولهن ذلك مكرا لأنهن طلبن بذلك رؤية يوسف وكان وصف لهن حسنه وجماله فقصدن أن يرينه وقيل إن امرأة العزيز أفشت إليهن سرها واستكتمتهن فأفشين ذلك عليها فلذلك سماه مكرا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ يعني أنها لما سمعت بأنهن يلمنها على محبتها ليوسف أرادت أن تقيم عذرها عندهن قال وهب اتخذت مائدة يعني صنعت لهن وليمة وضيافة ودعت أربعين امرأة من أشراف مدينتها فيهن هؤلاء اللاتي عيرنها وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً يعني ووضعت لهن نمارق ومساند يتكئن عليها، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : متكئا يعني طعاما وإنما سمي الطعام متكئا لأن كل من دعوته ليطعم عندك فقد أعددت له وسائد يجلس ويتكئ عليها فسمي الطعام متكأ على الاستعارة ويقال : اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده المتكأ ما يتكأ عليه عند الطعام والشراب والحديث ولذلك جاء النهي عنه في الحديث وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم «لا آكل متكئا» وقيل المتكأ الأترج وقيل هو كل شيء يقطع بالسكين أو يحز بها ويقال إن المرأة زينت البيت بألوان الفاكهة والأطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة اللاتي عيرنها بحب يوسف وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً يعني وأعطت كل واحدة من النساء سكينا لتأكل بها وكان من عادتهم أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ يعني وقالت زليخا ليوسف اخرج على النسوة وكان يخاف من مخالفتها فخرج عليهن يوسف وكانت قد زينته واختبأته في مكان آخر فَلَمَّا رَأَيْنَهُ يعني النسوة أَكْبَرْنَهُ يعني أعظمنه ودهشن عند رؤيته وكان يوسف قد أعطي شطر الحسن، وقال عكرمة : كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم وروى أبو سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم «رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر» ذكره البغوي بغير سند، وقال إسحاق بن أبي فروة : كان يوسف إذا سار في أزقة مصر تلألأ وجهه على الجدران ويقال إنه ورث حسن آدم يوم خلقه اللّه عز وجل قبل أن يخرج من الجنة وقال أبو العالية هالهن أمره وبهتن إليه وفي رواية عن ابن عباس قال أكبرنه أي حضن ونحوه، عن مجاهد والضحاك قال : حضن من الفرج وأنكر أكثر أهل اللغة هذا القول. قال الزجاج : هذه اللفظة ليست معروفة في اللغة والهاء في أكبرنه تمنع من هذا لأنه لا يجوز أن يقال النساء قد حضنه لأن حضن لا يتعدى إلى مفعول قال الأزهري إن صحت هذه اللفظة فلها مخرج وذلك أن المرأة إذا حاضت أول


الصفحة التالية
Icon