لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٤٧
جنات وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه فقال : ما بعثت بهذا ولكن اللّه بعثني بشيرا ونذيرا. قالوا : فأسقط السماء كما زعمت إن ربك إن شاء فعل.
فقال : ذلك إلى اللّه إن شاء فعل ذلك بكم. وقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا باللّه والملائكة قبيلا فلما قالوا ذلك قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقام معه عبد اللّه بن أبي أمية، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من اللّه فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فلم تفعل فو اللّه ما أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء مرقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها فتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول، وايم اللّه لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك. فانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله حزينا من مباعدتهم فأنزل اللّه تعالى : وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يعني أرض مكة يَنْبُوعاً أي عيونا أو أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ أي بستان فيه نخيل وعنب فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أي تشقيقا أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أي قطعا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا قال ابن عباس : كفيلا أي يكفلون بما تقول. وقيل هو جمع القبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة، يشهدون لك بصحة ما تقول.
وقيل : معناه تراهم مقابلة عيانا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي من ذهب وأصله الزينة أَوْ تَرْقى أي تصعد فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أي لأجل رقيك حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ أمرنا فيه باتباعك وهذا قول عبد اللّه بن أبي أمية قُلْ أي قل يا محمد سُبْحانَ رَبِّي أمره بتنزيهه وتمجيده وفيه معنى التعجب هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا أي كسائر الرسل لأممهم وكان الرسل لا يؤتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إليهم إنما هو إلى اللّه تعالى، ولو أراد أن ينزل ما طلبوا لفعل، ولكن لا ينزل الآيات على ما اقترحه البشر وما أنا إلا بشر، وليس ما سألتم في طوق البشر واعلم أن اللّه سبحانه وتعالى قد أعطى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله، مثل القرآن وانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه وما أشبهها من الآيات، وليست بدون ما اقترحوه بل هي أعظم مما اقترحوه والقوم عامتهم كانوا متعنتين، ولم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا فرد اللّه تعالى عليهم سؤالهم قوله عز وجل :
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٧]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧)
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي الوحي. والمعنى : وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم هي إنكارهم أن يرسل اللّه البشر وهو قوله تعالى إِلَّا أَنْ قالُوا أي جهلا منهم أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا وذلك أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر وهلا بعث اللّه إلينا ملكا فأجابهم اللّه بقوله : قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ أي مستوطنين مقيمين فيها لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا أي من جنسهم لأن الجنس إلى الجنس أميل قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي على أني رسوله إليكم وأني قد بلغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم وعاندتم إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ يعني المنذرين والمنذرين خَبِيراً بَصِيراً أي عالما بأحوالهم، فهو مجازيهم وفيه تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ووعيد للكفار وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ أي يهدونهم وفيه أيضا تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو