لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٥
يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصر الحق ولا يتبعه وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي لرشد، وربما وقع في مهلكة وكذلك الكافر والجاهل لا يهتديان للرشد وهما واقعان في المهلكة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ يعني إنما يتعظ ذوو العقول السليمة الصحيحة، وهم الذين ينتفعون بالمواعظ والأذكار. قوله عز وجل الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ يعني الذي عاهدهم عليه وهو القيام بما أمرهم به، وفرضه عليهم وأصل العهد حفظ الشيء، ومراعاته حالا بعد حال وقيل أراد بالعهد ما أخذه على أولاد آدم حين أخرجهم من صلبه، وأخذ عليهم العهد والميثاق وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ بل يوفون به فهو توكيد لقوله الذين يوفون بعهد اللّه وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ قال ابن عباس : يريد الإيمان بجميع الكتب والرسل يعني يصل بينهم بالإيمان ولا يفرق بين أحد منهم والأكثرون على أن المراد به صلة الرحم عن عبد الرحمن بن عوف. قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «قال اللّه تبارك وتعالى : أنا اللّه وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال بتتّه» أخرجه أبو داود والترمذي (ق). عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله اللّه ومن قطعني قطعه اللّه» (خ) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» صلة الرحم مبرة الأهل والأقارب والإحسان إليهم وضده القطع، قوله : وان ينسأ له في أثره الأثر هنا الأجل سمي الأجل أثرا لأنه تابع للحياة وسابقها. ومعنى ينسأ : يؤخر والمراد به تأخير الأجل. وهو على وجهين : أحدهما أن يبارك اللّه في عمره فكأنما قد زاد فيه.
والثاني أن يزيده في عمره زيادة حقيقية واللّه يفعل ما يشاء (ق) عن جبير بن مطعم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «لا يدخل الجنة قاطع» في رواية سفيان يعني «قاطع رحم» (خ) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال :
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «ليس الواصل بالمكافئ الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فان صلة الرحم محبة في الأهل ومثراة في المال ومنسأة في الأثر» أخرجه الترمذي. وقوله تعالى : وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ يعني أنهم مع وفائهم بعهد اللّه وميثاقه والقيام بما أمر اللّه به من صلة الرحم يخشون ربهم، والخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ تقدم معناه.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٢٢ الى ٢٨]
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا يعني على طاعة اللّه وقال ابن عباس : على أمر اللّه. وقال عطاء : على المصائب والنوائب. وقيل : صبروا عن الشهوات وعن المعاصي وقيل : حمله على العموم أولى فيدخل فيه الصبر على جميع النوائب والمأمورات من سائر العبادات والطاعات، وجميع أعمال البر وترك جميع المنهيات فيدخل فيه ترك جميع المعاصي من الحسد والحقد والغيبة، وغير ذلك من المنهيات، ويدخل فيه الصبر عن المباحات مثل