لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٥٠
وعشرين سنة وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا أي على حسب الحوادث قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا فيه وعيد وتهديد إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ قال ابن عباس : أراد بها الوجوه سُجَّداً أي يقعون على الوجوه سجدا وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا أي تعظيما لربنا لإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة، من بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا أي كائنا واقعا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً أي خضوعا لربهم وقيل يزيدهم القرآن لين قلب، ورطوبة عين فالبكاء مستحب عند قراءة القرآن. عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يلج النار رجل بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن في الضرع، ولا اجتمع على عبدي غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم» أخرجه الترمذي والنسائي.
وزاد النسائي «في منخري مسلم أبدا» الولوج الدخول والمنخر الأنف عن ابن عباس قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية اللّه وعين باتت تحرس في سبيل اللّه» أخرجه الترمذي قوله عز وجل :
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ قال ابن عباس : سجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده :
يا اللّه يا رحمن فقال أبو جهل : إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل اللّه هذه الآية ومعناه أنهما اسمان للّه تعالى فسموه بهذا الاسم أو بهذا الاسم أَيًّا ما تَدْعُوا ما صلة ومعناه أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم، أو من جميع أسمائه فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يعني إذا حسنت أسماؤه كلها فهذان الاسمان منها ومعنى كونها حسنى أنها مشتملة على معاني التقديس، والتعظيم والتمجيد وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها (ق) عن ابن عباس في قوله : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال : نزلت ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال اللّه تبارك وتعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم : ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلا زاد في رواية وابتغ بين ذلك سبيلا أسمعهم، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن وقيل نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول. (ق) عن عائشة «و لا تجهور بصلاتك ولا تخافت بها» قالت : نزل ذلك في الدعاء. وقيل : كان أعراب من بني تميم إذا سلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا : اللهم ارزقنا مالا وولدا يجهرون بذلك فأنزل اللّه عز وجل «و لا تجهر بصلاتك أي لا ترفع صوتك بقراءتك ودعائك ولا تخافت بها» المخافتة خفض الصوت، والسكوت وَابْتَغِ أي اطلب بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي طريقا وسطا بين الجهر والإخفاء.
عن أبي قتادة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي بكر :«مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض من صوتك فقال إني أسمعت من ناجيت فقال ارفع قليلا وقال لعمر مررت بك، وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك فقال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال : اخفض قليلا» أخرجه الترمذي وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً أمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يحمده على وحدانيته. وقيل : معناه الحمد للّه الذي عرفني أنه لم يتخذ ولدا وقيل إن كل من له ولد فهو يمسك جميع النعم لولده وإذا لم يكن له ولد أفاض نعمه على عبيده. وقيل : إن الولد يقوم مقام والده بعد انقضائه واللّه عز وجل يتعالى عن جميع النقائص فهو المستحق لجميع المحامد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ