لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٦٢
وتعالى أن يخبرهم أن اللّه سبحانه وتعالى سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو أدل لهم من قصة أصحاب الكهف وقد فعل حيث آتاه من علم غيب المرسلين وقصصهم مما هو أوضح وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقيل هذا شيء أمره اللّه أن يقوله مع قوله إن شاء اللّه إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان وإذا نسي الإنسان قوله إن شاء اللّه فتوبته من ذلك أن يقول مع قوله إن شاء اللّه عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا. قوله عز وجل وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قيل هذا خبر عن قول أهل الكتاب ولو كان خبرا من اللّه عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل اللّه أعلم بما لبثوا وجه ولكن اللّه رد قولهم بقوله :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا والأصح أنه إخبار من اللّه تعالى عن قدر لبثهم في الكهف ويكون معنى قوله قل اللّه أعلم بما لبثوا، يعني إن نازعوك في مدة لبثهم في الكهف فقل أنت اللّه أعلم بما لبثوا أي هو أعلم منكم وقد أخبر بمدة لبثهم وقيل إن أهل الكتاب قالوا إن المدة من حين دخلوا الكهف إلى يومنا هذا وهو اجتماعهم بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائة وتسع سنين فرد اللّه عليهم بذلك وقال قل اللّه أعلم بما لبثوا يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلمه إلا اللّه. فإن قلت لم قال سنين ولم يقل سنة، قلت قيل لما نزل قوله سبحانه وتعالى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا أياما أو شهورا أو سنين فنزلت سنين على وفق قولهم وقيل هو تفسير لما أجمل في قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا وازدادوا تسعا وقيل قالت نصارى نجران أما ثلاثمائة فقد عرفنا وأما التسع فلا علم لنا بها. فنزلت قل اللّه أعلم بما لبثوا. وقيل إن عند أهل الكتاب لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية واللّه سبحانه وتعالى ذكر ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمرية والتفاوت بين القمرية والشمسية في كل مائة سنة ثلاث سنين فتكون الثلاثمائة الشمسية ثلاث مائة وتسع سنين قمرية لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها فإنه العالم وحده به فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ معناه ما أبصر اللّه بكل موجود وأسمعه بكل مسموع لا يغيب عن سمعه وبصره شيء يدرك البواطن كما يدرك الظواهر والقريب والبعيد والمحجوب وغيره لا تخفى عليه خافية ما لَهُمْ أي ما لأهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ أي من دون اللّه مِنْ وَلِيٍّ أي ناصر وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً قيل معناه لا يشرك اللّه في علم غيبه أحدا وقيل في قضائه.
قوله تعالى وَاتْلُ أي واقرأ يا محمد ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ يعني القرآن واتبع ما فيه واعمل به لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا مغير للقرآن ولا يقدر أحد على التطرق إليه بتغيير أو تبديل. فإن قلت موجب هذا أن لا يتطرق النسخ إليه. قلت النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا. وقيل معناه لا مغير لما أوعد اللّه بكلماته أهل معاصيه وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ أي من دون اللّه إن لم تتبع القرآن مُلْتَحَداً أي ملجأ وحرزا تعدل إليه. قوله عز وجل وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يسلم وعنده جماعة من


الصفحة التالية
Icon