لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٦٦
وَاضْرِبْ لَهُمْ أي اضرب يا محمد لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ يعني المطر فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أي خرج منه كل لون وزهرة فَأَصْبَحَ أي عن قريب هَشِيماً قال ابن عباس :
يابسا تَذْرُوهُ الرِّياحُ قال ابن عباس : تذريه تفرقه وتنسفه وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أي قادرا قوله سبحانه وتعالى الْمالُ وَالْبَنُونَ يعني التي يفتخر بها عيينة وأصحابه الأغنياء زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني ليست من زاد الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه : المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعهما لأقوام وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قال ابن عباس : هي قول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر (م) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لأن أقول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس». عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال «استكثروا من قول الباقيات الصالحات. قيل : وما هن يا رسول اللّه؟ قال : التكبير والتهليل والتسبيح والحمد للّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه». عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إذا مررتم برياض الجنة فارتفعوا. قلت : يا رسول اللّه وما رياض الجنة؟ قال : المساجد. قلت : وما الرتع؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب عن سعيد بن المسيب أن الباقيات الصالحات هي قول العبد اللّه أكبر وسبحان اللّه ولا إله إلا اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه أخرجه مالك في الموطأ موقوفا عليه وعن ابن عباس أن الباقيات الصالحات الصلوات الخمس وعنه أنها الأعمال الصالحة خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أي جزاء وَخَيْرٌ أَمَلًا أي ما يؤمله الإنسان. قوله سبحانه وتعالى وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ أي نذهب بها وذلك أن تجعل هباء منثورا كما يسير السحاب وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً أي ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا بناء وقيل هو بروز ما في بطنها من الموتى وغيرهم فيصير باطن الأرض ظاهرها وَحَشَرْناهُمْ يعني جميعا إلى موقف الحساب فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لم نترك منهم أحدا عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
أي صفا صفا وفوجا فوجا لأنهم صف واحد وقيل قياما كل أمة وزمرة صف ثم يقال لهم قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
يعني أحياء وقيل حفاة عراة غرلالْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
يعني القيامة يقول ذلك لمنكر البعث (ق) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بموعظة فقال : أيها الناس إنكم تحشرون إلى اللّه حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ألا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم قال : فيقال لي إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. زاد في رواية فأقول سحقا سحقا» قوله غرلا أي قلفا والغرلة القلفة التي تقع من جلد الذكر وهو موضع الختان، وقوله سحقا أي بعدا، قال بعض العلماء : إن المراد بهؤلاء أصحاب الردة الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة بعده (ق) عن عائشة قالت : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«يحشر الناس حفاة عراة غرلا». قالت عائشة : فقلت الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض قال :«الأمر أشد من أن يهمهم ذلك». زاد النسائي في رواية «لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه».
قوله عز وجل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)