لباب التأويل، ج ٣، ص : ١٩٦
يعرفونها فيقول أنا ربكم، فيقولون نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا عرفناه. فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفونها فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه». قلت أما ما يتعلق بمعاني الحديث والكلام على الرؤية فسيأتي في تفسير سورة ن والقيامة ونتكلم ها هنا على شرح غريب ألفاظه، قوله مثل شوك السعدان هو نبت ذو شوك معقف وهو من أجود مراعي الإبل.
وقوله فمنهم من يوبق بعمله يقال أوبقته الذنوب أي أهلكته. والمنجدل المرمى المصورع وقيل هو المقطع. والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يقع في النار. قوله وقد امتحشوا أي احترقوا، وقيل هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم. قوله كما تنبت الحبة في حميل السيل، الحبة بكسر الحاء وهي البذورات جميعا وحميل السيل هو الزبد وما يلقيه الماء على شاطئه، قوله قشبني ريحها أي آذاني والقشب السم فكأنه قال قد سمني ريحها. قوله وأحرقني ذكاؤها أي اشتعالها ولهبها قوله رأى زهرتها الزهرة الحسن والنضارة والبهجة. (ق) عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا، فيقول اللّه له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى. فيقول اللّه تعالى له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو أن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك فلقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة قوله حتى بدت نواجذه أي أضراسه وأنيابه، وقيل هي آخر الأسنان.
عن جابر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة، قال فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة، قال فيرش عليهم أهل الجنة من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حمالة السيل» أخرجه الترمذي الحمم الفحم والحمالة كل ما جاء به السيل، فدلت الآية الأولى على أن الكل دخلوا النار ودلت الآية الثانية والأحاديث أن اللّه تعالى أخرج منها المتقين وجميع الموحدين وترك فيها الظالمين وهم المشركون. قوله تعالى :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ أي دلائل واضحات قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني النضر بن الحارث ومن دونه من كفار قريش لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني فقراء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة، وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون أفخر ثيابهم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً أي منزلا ومسكنا وهو موضع الإقامة وَأَحْسَنُ نَدِيًّا أي مجلسا فأجابهم اللّه تعالى بقوله وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً أي متاعا وأموالا وقيل أحسن ثيابا ولباسا وَرِءْياً أي منظرا من الرؤية قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ أي الأسر والقتل في الدنيا وَإِمَّا السَّاعَةَ يعني القيامة فيدخلون النار فَسَيَعْلَمُونَ أي عند ذلك مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً أي منزلا وَأَضْعَفُ جُنْداً أي أقل ناصرا والمعنى فسيعلمون أهم خير وهم


الصفحة التالية
Icon