لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢١٠
فَتَنَّا قَوْمَكَ أي فإنا ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا مِنْ بَعْدِكَ أي من بعد انطلاقك إلى الجبل وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أي دعاهم وصرفهم إلى الضلال وهو عبادة العجل، وإنما أضاف الضلال إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه وقيل إن جميع المنشآت تضاف إلى منشئها في الظاهر، وإن كان الموجد لها في الأصل هو اللّه تعالى فذلك قوله هنا وأضلهم السامري، قيل كان السامري من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط وكان جارا لموسى وآمن به، وقيل كان علجا من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً أي حزينا جزعا قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أي صدقا يعطيكم التوراة أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي مدة مفارقتي إياكم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي أردتم أن تفعلوا فعلا يجب عليكم الغضب من ربكم بسببه فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي يعني ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٧ الى ٩٦]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)
قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦)
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي بملك أمرنا، وقيل باختيارنا وذلك أن المرء إذا وقع في الفتنة لم يملك نفسه وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي حملنا مع أنفسنا ما كنا قد استعرناه من قوم فرعون، والأوزار الأثقال سميت أوزارا لكثرتها وثقلها وقيل الأوزار الآثام، أي حملنا آثاما وذلك أن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط ولم يردوها وبقيت معهم إلى حين خروجهم من مصر وقيل إن اللّه لما أغرق فرعون نبذ البحر حليهم فأخذها بنو إسرائيل فكانت غنيمة ولم تكن الغنائم تحل لهم فَقَذَفْناها أي ألقيناها قيل إن السامري قال لهم احفروا حفيرة وألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى رأيه فيها. وقيل إن هارون أمرهم بذلك ففعلوا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أي ما كان معه من الحلي فيها، قال ابن عباس : أوقد هارون نارا وقال اقذفوا ما معكم فيها، وقيل إن هارون مر على السامري وهو يصوغ العجل فقال له ما هذا قال أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي. فقال هارون اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه. فألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل في فم العجل وقال كن عجلا يخور فكان كذلك. بدعوة هارون فذلك قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ اختلفوا هل كان الجسد حيا أم لا على قولين أحدهما لا لأنه لا يجوز إظهار خرق العادة على يد ضال بل السامري صور صورة على شكل العجل وجعل فيه منافذ ومخاريق بحيث إذا دخل فيها الريح صوت كصوت العجل. الثاني : أنه صار حيا وخار كما يخور العجل فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى يعني قال ذلك السامري ومن تابعه من افتتن به. وقيل عكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا شيئا قط مثله فَنَسِيَ قيل هو إخبار عن قول السامري أي إن موسى نسي إلهه وتركه ها هنا وذهب يطلبه. وقيل معناه أن موسى إنما طلب هذا ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر فأخطأ الطريق وضل.
وقيل هو من كلام اللّه تعالى وكأنه أخبر عن السامري أنه نسي


الصفحة التالية
Icon