لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢١٨
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٥]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ نسختها آية السيف وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صل بأمر ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي صلاة العصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ أي ومن ساعاته فَسَبِّحْ يعني فصل المغرب والعشاء قال ابن عباس يريد أول الليل وَأَطْرافَ النَّهارِ يعني صلاة الظهر سمي وقت الظهر أطراف النهار لأن وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأول انتهاء وطرف النصف الآخر ابتداء لَعَلَّكَ تَرْضى أي ترضى ثوابه في المعاد، وقيل معناه لعلك ترضى بالشفاعة، وقرئ ترضى بضم التاء أي تعطى ثوابه، وقيل يرضاك ربك (ق) عن جرير بن عبد اللّه قال :«كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» قوله لا تضامون بتخفيف الميم من الضيم، وهو الظلم والمعنى أنكم ترونه جميعا لا يظلم بعضكم بعضا في رؤيته وروي بتشديد الميم من الانضمام والازدحام، أي لا يزدحم ولا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته والكاف في قوله كما ترون هذا القمر كاف التشبيه للرؤية لا للمرئي وهي فعل الرائي، ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم هذا القمر ليلة البدر ولا ترتابون فيه ولا تشكون قوله عز وجل : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ قال أبو رافع نزل برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضيف فبعثني إلى يهودي فقال قل له إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«بعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فأتيته فقلت له ذلك فقال واللّه لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته فقال واللّه لئن باعني أو أسلفني لقضيته إني لأمين في السماء وأمين في الأرض أذهب بدرعي الحديد إليه» فنزلت هذه الآية : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي
لا تنظر نظرا تكاد تردده استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به وتمنيا له إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أي أعطينا أَزْواجاً أي أصنافا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي زينتها وبهجتها لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنجعل ذلك فتنة بأن تزيد النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا وَرِزْقُ رَبِّكَ أي في المعاد في الجنة خَيْرٌ وَأَبْقى أي أدوم وقال أبي بن كعب من لم يعتز باللّه تقطعت نفسه حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس يطل حزنه ومن ظن أن نعمة اللّه عليه في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه. ف قوله تعالى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ أي قومك وقيل من كان على دينك بِالصَّلاةِ يعني بالمحافظة عليها وَاصْطَبِرْ عَلَيْها يعني اصبر على الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وقيل اصبر عليها فإن الوعظ بلسان الفعل أبلغ منه بلسان القول لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً أي لا نكلفك أن ترزق أحدا من خلقنا ولا أن ترزق نفسك بل نكلفك عملا نَحْنُ نَرْزُقُكَ أي بل نحن نرزقك ونرزق أهلك وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي الخصلة المحمودة لأهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك وآمنوا بك وفي بعض المسانيد أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية قوله تعالى وَقالُوا يعني المشركين لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي الآية المقترحة فإنه كان قد أتاهم بآيات كثيرة أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي بيان ما فيها وهو القرآن لأنه أقوى