لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٢
وَلا أُشْرِكَ بِهِ شيئا إِلَيْهِ أَدْعُوا أي إلى اللّه وإلى الإيمان به أدعو الناس وَإِلَيْهِ مَآبِ يعني مرجعي يوم القيامة.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا أي كما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلغاتهم، أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب وهو القرآن عربيا بلسانك ولسان قومك. وإنما سمي القرآن حكما لأن فيه جميع التكاليف والأحكام والحلال والحرام والنقض والإبرام، فلما كان القرآن سببا للحكم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة، وقيل إن اللّه لما حكم على جميع الخلق بقبول القرآن والعمل بمقتضاه سماه حكما لذلك المعنى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ قال جمهور المفسرين : إن المشركين دعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ملة آبائهم فتوعده اللّه على اتباع أهوائهم في ذلك. وقال ابن السائب : المراد به متابعة آبائهم في الصلاة لبيت المقدس بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يعني بأنك على الحق، وأن قبلتك الكعبة هي الحق.
وقيل : ظاهر الخطاب فيه للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد به غيره وقيل : هو حث للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم على تبليغ الرسالة والقيام بما أمر به ويتضمن ذلك تحذير غيره من المكلفين لأن من هو أرفع منزلة وأعظم قدرا وأعلى مرتبة إذا حذر كان غيره ممن هو دونه بطريق الأولى ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ يعني من ناصر ولا حافظ قوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ روي أن اليهود، وقيل المشركين، قالوا : إن هذا الرجل يعنون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ليس له همة إلا في النساء فعابوا عليه ذلك وقالوا لو كان كما يزعم أنه رسول اللّه لكان مشتغلا بالزهد وترك الدنيا فأجاب اللّه عز وجل عن هذه الشبهة، وعما عابوه به بقوله عز وجل ولقد أرسلنا رسلا من قبلك يا محمد وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فإنه قد كان لسليمان عليه الصلاة والسلام ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة امرأة سرية فلم يقدح ذلك في نبوته وكان لأبيه داود عليه الصلاة والسلام مائة امرأة فلم يقدح ذلك أيضا في نبوته فكيف يعيبون عليك ذلك، ويجعلونه قادحا في نبوتك والمعنى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك يأكلون ويشربون وينكحون، وما جعلناهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ هذا جواب لعبد اللّه بن أبي أمية، وغيره من المشركين الذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، الآيات واقترحوا عليه أن يريهم المعجزات، وتقدير هذا الجواب أن المعجزة الواحدة كافية في إثبات النبوة وقد أتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمعجزات كثيرة يعجز عن مثلها البشر، فما لهم أن يقترحوا عليه شيئا، وإتيان الرسول بمعجزات ليس إليه بل هو مفوض إلى مشيئة اللّه عز وجل فإن شاء أظهرها وإن شاء لم يظهرها لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وذلك أن رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم فلما استبطئوا ذلك، وقد كانوا يستعجلون نزوله أخبر اللّه عز وجل أن لكل قضاء قضاه كتابا قد كتبه فيه ووقتا يقع فيه لا يتقدم ولا يتأخر. والمعنى : أن لكل أجل أجله اللّه كتابا قد أثبته فيه، وقيل : في الآية تقديم وتأخير تقديره لكل كتاب أجل ومدة والمعنى أن الكتب المنزلة لكل كتاب منها وقت ينزل فيه يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وذلك أنهم لما اعترضوا على رسول اللّه فقالوا : إن محمدا يأمر أصحابه بأمر اليوم ثم يأمرهم بخلافه غدا، وما سبب ذلك إلا أنه يقوله من تلقاء نفسه، أجاب اللّه عن هذا الاعتراض بقوله يمحو اللّه ما يشاء ويثبت. قال سعيد بن جبير وقتادة : يمحو اللّه ما شاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء من ذلك فلا ينسخه ولا يبدله، وقال ابن عباس : يمحو اللّه ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن حذيفة بن أسيد قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول


الصفحة التالية
Icon