لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٢١
يعني لا يخفى عليه شيء وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْعَلِيمُ بأفعالهم. قوله عز وجل :
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعني أباطيل وأهاويل رآها في النوم بَلِ افْتَراهُ يعني اختلقه بَلْ هُوَ شاعِرٌ وذلك أن المشركين اقتسموا القول في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفيما يقوله، فقال بعضهم أضغاث أحلام وقال بعضهم بل هو فرية وقال بعضهم هو شاعر وما جاءكم به شعر فَلْيَأْتِنا يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بِآيَةٍ يعني بحجة إن كان صادقا كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي من الرسل بالآيات قال اللّه تعالى مجيبا لهم ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل مشركي مكة مِنْ قَرْيَةٍ أي من أهل قرية أتتهم الآيات أَهْلَكْناها يعني بالتكذيب أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يعني إن جاءتهم آية والمعنى أن أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما جاءتهم أفيؤمن هؤلاء.
قوله تعالى : وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ هذا جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم، والمعنى إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا يوحى إليهم مثلك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل التوراة والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب، فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا وإن أنكروا نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أمر اللّه المشركين بسؤال أهل الكتاب لأن المشركين أقرب إلى تصديقهم من تصديق من آمن بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل أراد بالذكر القرآن يعني فاسئلوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ قوله عز وجل : وَما جَعَلْناهُمْ أي الرسل جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ هذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام، والمعنى لم نجعلهم ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام وَما كانُوا خالِدِينَ يعني في الدنيا بل يموتون كغيرهم ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ يعني الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ يعني من المؤمنين الذين صدقوهم وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ يعني المشركين لأن المشرك مسرف على نفسه.
قوله عز وجل : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يعني يا معشر قريش كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ يعني شرفكم وفخركم وهو شرف لمن آمن به، وقيل معناه فيه حديثكم، وقيل فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم وقيل فيه تذكرة لكم لتحذروا فيكون الذكر بمعنى الوعد والوعيد أَفَلا تَعْقِلُونَ فيه بعث على التدبر لأن الخوف من لوازم العقل. قوله تعالى :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١١ الى ٢٣]
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)
وَكَمْ قَصَمْنا يعني أهلكنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً يعني كافرة والمراد أهل القرية وَأَنْشَأْنا بَعْدَها أي أحدثنا بعد هلاك أهلها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي عذابنا بحاسة البصر إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يعني يسرعون هاربين من قريتهم لما رأوا مقدمة العذاب لا تَرْكُضُوا يعني قيل لهم لا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ يعني تنعمتم فيه من العيش وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قال ابن عباس عن قتل نبيكم، قيل نزلت هذه الآية في أهل حضر موت قرية باليمن، وكان أهلها عربا فبعث اللّه إليهم نبيا يدعوهم إلى اللّه فكذبوه وقتلوه، فسلط اللّه عليهم بختنصر فقتلهم وسباهم، فلما استمر فيهم القتل هربوا فقالت الملائكة لهم استهزاء لا تركضوا، أي لا تهربوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمنعون من