لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٢٦ سبيل الاستهزاء فبين تعالى أنهم إنما يقولون ذلك لجهلهم وغفلتهم، ثم بين ما لهؤلاء المستهزئين فقال تعالى :
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ يعني لا يدفعون عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ قيل السياط وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي لا يمنعون من العذاب والمعنى لو علموا لما أقاموا على كفرهم ولما استعجلوا بالعذاب ولما قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين بَلْ تَأْتِيهِمْ يعني الساعة بَغْتَةً أي فجأة فَتَبْهَتُهُمْ أي تحيرهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها أي صرفها ودفعها عنهم وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يمهلون للتوبة والمعذرة وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أي يا محمد كما استهزأ بك قومك فَحاقَ أي نزل وأحاط بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي عقوبة استهزائهم وفيه تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أي فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
قوله تعالى قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ أي يحفظكم بِاللَّيْلِ إذا نمتم وَالنَّهارِ إذا انصرفتم في معايشكم مِنَ الرَّحْمنِ قال ابن عباس معناه من يمنعكم من عذاب الرحمن بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ أي عن القرآن ومواعظه مُعْرِضُونَ أي لا يتأملون في شيء منها أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا معناه ألهم آلهة من دوننا تمنعهم ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أي لا يقدرون على نصر أنفسهم فكيف ينصرون من عبدهم وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قال ابن عباس يمنعون وقيل يجارون وقيل ينصرون وقيل معناه لا يصبحون من اللّه بخير.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٤ الى ٥٧]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣)
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ يعني الكفار وَآباءَهُمْ أي في الدنيا بأن أنعمنا عليهم وأمهلناهم حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي امتد بهم الزمان فاغتروا أَفَلا يَرَوْنَ يعني هؤلاء المشركين أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني ننقص من أطراف المشركين، ونزيد من أطراف المؤمنين يريد بذلك ظهور النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفتحه ديار الشرك أرضا فأرضا وقرية فقرية، والمعنى أفلا يرى هؤلاء المشركون باللّه المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في إتيان الأرض من جوانبها بأخذ الواحد، بعد الواحد وفتح البلاد والقرى مما حول مكة وإدخالها في ملك محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وموت رؤوس المشركين المتنعمين بالدنيا، أما كان لهم عبرة في ذلك فيؤمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ويعلموا أنهم لا يقدرون على الامتناع منا ومن إرادتنا فيهم ثم قال أَفَهُمُ الْغالِبُونَ استفهام بمعنى التقريع معناه بل نحن الغالبون وهم المغلوبون قُلْ يا محمد إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أي أخوفكم بالقرآن وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما