لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٣٩
أضاع أم ما فعل به؟ فقال أيوب : ما كان منك فبكت وقالت بعلي. فقال هل تعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت وهل يخفى على أحد رآه ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه ثم قالت : أما إنه أشبه خلق اللّه بك إذ كان صحيحا. قال : فإني أنا أيوب الذي أمرتني أن أذبح سخلة لإبليس، وإني أطعت اللّه وعصيت الشيطان ودعوت اللّه فرد عليّ ما ترين.
وقال وهب : لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين، فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم وبهاء. فقال لها : أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم. قال : هل تعرفيني؟ قالت لا. قال : أنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليك وعليه كل ما كان لكما من مال وولد فإنه عندي ثم أراها إياه ببطن الوادي الذي لقيها فيه. وفي بعض الكتب أن إبليس قال لها اسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك. فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها وما أراها. قال : لقد أتاك عدو اللّه ليفتنك عن دينك، ثم أقسم إن عافاه اللّه ليضربنها مائة جلدة وقال عند ذلك : مسني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له ودعائه إياها وإياي إلى الكفر. ثم إن اللّه تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عليها، وأراد أن يبر يمين أيوب، فأمره أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغير فيضربها به ضربة واحدة. وقيل : لم يدع اللّه بالكشف عنه حتى ظهرت له ثلاثة أشياء :
أحدها : ما قيل في حقه : لو كان لك عند اللّه منزلة ما أصابك هذا، والثاني : أن امرأته طلبت طعاما فلم تجد ما تطعمه فباعت ذؤابتها فأتته بطعام، والثالث : قول إبليس : إني أداويه على أن يقول أنت شفيتني. وقيل مسني الضر أي من شماتة الأعداء حتى روي أنه قيل له بعد ما عوفي ما كان أشد عليك في بلائك؟ قال : شماتة الأعداء. فإن قلت كيف سماه اللّه صابرا وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله مسني الضر وقوله مسني الشيطان بنصب وعذاب؟ قلت : ليس هذا شكاية وإنما هو دعاء بدليل.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٤]
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
قوله تعالى : فَاسْتَجَبْنا لَهُ والشكوى إنما تكون إلى الخلق لا إلى الخالق بدليل قول يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى اللّه وقال سفيان بن عيينة : من أظهر الشكوى إلى الناس وهو راض بقضاء اللّه تعالى لا يكون ذلك جزعا كما «روي أن جبريل عليه السلام دخل على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في مرضه فقال كيف تجدك؟ قال : أجدني مغموما وأجدني مكروبا. وقال لعائشة حين قالت : وا رأساه بل أنا وا رأساه» قوله تعالى فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي أجبنا دعاءه فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وذلك أنه قال له ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فركض برجله فنبعت عين ماء فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل، فنبعت عين ماء بارد، فأمره أن يشرب منها، فشرب، فذهب كل داء كان بباطنه فصار كأصح ما كان وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال ابن مسعود وابن عباس وأكثر المفسرين : رد اللّه إليه أهله وأولاده بأعيانهم وأحياهم اللّه وأعطاه مثلهم معهم، وهو ظاهر القرآن، وعن ابن عباس رواية أخرى أن اللّه رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكرا. وقيل كان له سبع بنين وسبع بنات.
وعن أنس يرفعه أن كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث اللّه سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاضا. وروى أن اللّه تعالى بعث إليه ملكا وقال له : إن ربك يقرئك السلام بصبرك فاخرج إلى أندرك، فخرج إليه فأرسل اللّه عليه جرادا من ذهب فذهبت واحدة