لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٤٣
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي اختلفوا في الدين فصاروا فرقا وأحزابا حتى لعن بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم من بعض كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ فنجزيهم بأعمالهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ أي لا يجحد ولا يبطل سعيه بل يشكر ويثاب عليه وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ أي لعمله وحافظون له. وقيل : الشكر من اللّه المجازاة، والكفران ترك المجازاة. قوله عز وجل وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ قال ابن عباس :
ومعناه وحرام على أهل قرية أهلكناهم أن يرجعوا بعد الهلاك، وقيل : معناه وحرام على أهل قرية حكمنا بهلاكهم أن نقبل أعمالهم لأنهم لا يتوبون.
قوله عز وجل حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ يريد فتح السد وذلك أن اللّه يفتحه أخبر عن يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان، يقال إنهما تسعة أعشار بني آدم وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ أي يسرعون النزول من كل الآكام والتلال. وفي هذه الكناية وجهان : أحدهما أن المراد بهم يأجوج ومأجوج وهو الأصح بدليل ما روي عن النواس بن سمعان قال «ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ما شأنكم؟ قلنا : يا رسول اللّه ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال : غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه واللّه خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد اللّه فاثبتوا قلنا يا رسول اللّه وما لبثه في الأرض؟ قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا : يا رسول اللّه فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول اللّه وما إسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر لهم السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأصبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه».
قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم «و يمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث اللّه المسيح بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله.
ثم يأتي عيسى عليه السلام إلى قوم قد عصمهم اللّه منه فيمسح على وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى اللّه إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد أن يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث اللّه يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقول لقد كان بهذه مرة ماء ويحضر نبي اللّه عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي اللّه عيسى وأصحابه إلى اللّه فيرسل اللّه فيهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي اللّه عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي اللّه عيسى وأصحابه إلى اللّه فيرسل اللّه طيرا كأعناق البخت فتحملهم