لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٤٥
ثم تلك التوابيت في توابيت أخر عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره.
[سورة الأنبياء (١٢) : الآيات ١٠١ الى ١٠٧]
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)
إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)
قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى قال العلماء : إن هنا بمعنى إلا أي إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة أُولئِكَ عَنْها أي عن النار مُبْعَدُونَ قيل : الآية عامة من كل من سبقت له من اللّه السعادة، وقال أكثر المفسرين عنى بذلك كل من عبد من دون اللّه وهو للّه طائع ولعبادة من يعبده كاره وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أفحمه ثم تلا عليه إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الآيات الثلاث ثم قام فأقبل عبد اللّه بن الزبعرى السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ابن الزبعرى : أما واللّه لو وجدته لخصمته فدعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له ابن الزبعرى أنت قلت إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم؟ قال نعم قال أليست اليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح وبني مليح تعبد الملائكة فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : بل هم يعبدون الشياطين فأنزل اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى يعني عزيرا والمسيح والملائكة أولئك عنها مبعدون وأنزل في ابن الزبعرى ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام لأن اللّه تعالى قال إنكم وما تعبدون من دون اللّه، ولو أراد به الملائكة والناس لقال إنكم ومن تعبدون لأن من لمن يعقل وما لمن لا يعقل لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يعني صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ أي من النعيم والكرامة خالِدُونَ أي مقيمون.
قوله تعالى : لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ قال ابن عباس : يعني النفخة الأخيرة، وقيل هو حين يذبح الموت وينادى يا أهل النار خلود بلا موت وقيل هو حين يطبق على جهنم وذلك بعد أن يخرج اللّه منها من يريد أن يخرجه وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي في الدنيا. قوله عز وجل يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ قال ابن عباس : السجل الصحيفة والمعنى كطي الصحيفة على مكتوبها والطي هو الدرج الذي هو ضد النشر. وقيل : السجل اسم ملك يكتب أعمال العباد إذا رفعت إليه والمعنى نطوي السماء كما يطوي السجل الطومار الذي يكتب فيه والتقدير لا يحزنهم الفزع الأكبر في اليوم كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة (ق) عن ابن عباس قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بموعظة فقال :«أيها الناس إنكم تحشرون إلى اللّه حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده» قوله غرلا أي قلفا.
وقوله تعالى وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ يعني الإعادة والبعث بعد الموت. قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قيل : الزبور جميع الكتب المنزلة على الأنبياء والذكر هو أم الكتاب الذي عنده ومن ذلك الكتاب تنسخ جميع الكتب ومعنى من بعد الذكر أي بعد ما كتب في اللوح المحفوظ. وقال ابن عباس : الزبور