لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٥٩
وَمَساجِدُ يعني مساجد المسلمين يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً يعني في المساجد. ومعنى الآية ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلواتهم فهدم في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع وفي زمن محمد صلّى اللّه عليه وسلّم المساجد وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ أي ينصر دينه ونبيه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ أي على نصر من ينصر دينه عَزِيزٌ أي لا يضام ولا يمنع مما يريده. قوله عزّ وجلّ :
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤١ الى ٤٧]
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أي نصرناهم على عدوهم تمكنوا من البلاد أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ هذا وصف أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل : هم جميع هذه الأمة وقيل هم المهاجرون وهو الأصح لأنه قوله «الذين إن مكناهم» صفة لمن تقدم ذكرهم وهو قوله «الذين أخرجوا من ديارهم» وهم المهاجرون وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ أي آخر أمور الخلق مصيرها إليه وذلك أنه يبطل فيها كل ملك سوى ملكه فتصير الأمور إليه بلا منازع. قوله تعالى وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فيه تسلية وتعزية للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى وإن كذبك قومك فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فإن قلت لم قال وكذب موسى ولم يقل وقوم موسى؟. قلت فيه وجهان أحدهما : أن موسى لم يكذبه قومه وهم بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه وهو القبط الثاني : كأنه قيل بعد ما ذكرت تكذيب كل قوم رسولهم قال وكذب موسى أيضا مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ أي أمهلتهم وأخرت العقوبة عنهم ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أي عاقبتهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم ما فعلوا من التكذيب بالعذاب والهلاك يخوف به من خالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذبه. قوله عزّ وجلّ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وقرئ أهلكناها على التعظيم وَهِيَ ظالِمَةٌ أي وأهلها ظالمون فَهِيَ خاوِيَةٌ أي ساقطة عَلى عُرُوشِها أي على سقوفها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أي وكم من بئر معطلة أي متروكة مخلاة عن أهلها وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أي رفيع طويل عال وقيل مجصص وقيلإن البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن.
أما القصر فعلى قمة جبل والبئر في سفحه ولكل واحد منهما قوم كانوا في نعمة فكفروا فأهلكهم اللّه وبقي البئر والقصر خاليين. وقيل إن هذه البئر كانت بحضر موت في بلدة يقال لها : حاضوراء وذلك أن أربعة آلاف نفر ممن آمن بصالح عليه السلام لما نجوا من العذاب أتوا إلى حضر موت ومعهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمي المكان حضر موت. لذلك ولما مات صالح بنو حاضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلا منهم فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا وعبدوا الأصنام وكفروا فأرسل اللّه تعالى إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان. وكان حمالا فيهم فقتلوه في السوق فأهلكهم اللّه وعطلت بئرهم وخرب قصرهم. قوله تعالى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني كفار مكة فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أي يعلمون بها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها يعني ما يذكر لهم من أخبار