لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٧٥
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أي على ما جئتهم به خَرْجاً أي أجرا وجعلا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي ما يعطيك اللّه من رزقه وثوابه خير وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تقدم تفسيره وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي إلى دين الإسلام وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ أي عن دين الحق لَناكِبُونَ أي لعادلون عنه ومائلون وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ أي قحط وجدوبة لَلَجُّوا أي لتمادوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي لم ينزعوا عنه وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ وذلك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دعا على قريش أن يجعل اللّه عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط. فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أنشدك اللّه والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال : إنهم قد أكلوا القد والعظام وشكا إليه الضر فادع اللّه أن يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل اللّه هذه الآية فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ ما خضعوا وما ذلوا لربهم وَما يَتَضَرَّعُونَ أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وقيل هو الموت وقيل هو قيام الساعة إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أي آيسون من كل خير.
قوله عزّ وجلّ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي لتسمعوا بها وتبصروا وتعقلوا قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي لم تشكروا هذه النعم وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلقكم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي تبعثون وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان وقيل جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض أَفَلا تَعْقِلُونَ أي ما ترون من صنعه فتعتبروا بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ أي كذبوا كما كذب الأولون، وقيل معناه أنكروا البعث مثل ما أنكر الأولون مع وضوح الأدلة قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أي لمحشورون قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ أي هذا الوعد وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ أي وعد آباؤنا قوم ذكروا أنهم رسل اللّه فلم نر له حقيقة إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أكاذيب الأولين.
قوله تعالى قُلْ أي يا محمد لأهل مكة لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها من الخلق إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي خالقها ومالكها سَيَقُولُونَ لِلَّهِ أي لا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة للّه قُلْ أي قل لهم يا محمد إذا أقروا بذلك أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي فتعلموا أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ أي عبادة غيره وقيل معناه أفلا تحذرون عقابه قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي ملك كل شيء وَهُوَ يُجِيرُ أي يؤمن من يشاء وَلا يُجارُ عَلَيْهِ أي لا يؤمن من أخافه اللّه وقيل يمنع هو من يشاء من السوء ولا يمتنع منه من أراده بسوء إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي فأجيبوا.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٨٩ الى ١٠١]
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣)
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١)