لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٨٦
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما قال : قال واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه فقلت لأمي أجيبي عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما قال قالت : واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن إني واللّه لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة واللّه يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر واللّه يعلم إني منه بريئة لتصدقني فو اللّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال «فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون» ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا واللّه حينئذ أعلم أني بريئة وإن اللّه مبرئي ببراءتي ولكن واللّه ما كنت أظن أن ينزل اللّه في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم واللّه في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم رؤيا يبرئني اللّه بها قالت : فو اللّه ما رام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قال فسري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة احمدي اللّه وفي رواية قال أبشري يا عائشة أما اللّه فقد برأك فقالت لي أمي : قومي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت : لا واللّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا اللّه هو الذي أنزل براءتي قالت : فأنزل اللّه عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العشر الآيات فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآيات في
براءتي قالت فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره واللّه لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل اللّه وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ- إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال أبو بكر بلى واللّه إني لأحب أن يغفر اللّه لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه وقال واللّه لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال يا زينب ما علمت أو ما رأيت؟
فقالت : يا رسول اللّه أحمي سمعي وبصري واللّه ما علمت عليها إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فعصمها اللّه بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب : فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط زاد في رواية قالت عائشة : واللّه إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان اللّه فو الذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت : ثم قتل بعد في سبيل اللّه شهيدا».
هذا حديث متفق على صحته أخرجاه في الصحيحين زاد البخاري في رواية عن عروة : عن عائشة «و الذي تولى كبره منهم عبد اللّه بن أبي ابن سلول وقال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقرره ويشيعه ويستوشيه قال عروة لم يسم لي من أهل الإفك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال اللّه تعالى. قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال :
فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
أخرجاه من حديث مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها حسان ينشدها شعرا ببيت من أبياته فقال :
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها : تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال اللّه وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت وأي عذاب أشد من العمى. وقالت : إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
حل غريب ألفاظ هذا الحديث
قوله : وكلهم حدثني طائفة أي قطعة من حديثها، قوله كان أوعى أي أحفظ له، قولها آذن أي أعلم