لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٩١
وتقدير الآية حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وكذا هو في مصحف ابن مسعود وروي عن كند بن حنبل قال :
«دخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : ولم أسلّم ولم أستأذن فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ارجع فقل السلام عليكم أأدخل» أخرجه أبو داود والترمذي وعن ربعي بن حراش قال «جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في البيت فقال ألج فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لخادمه اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمع الرجل ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال السلام عليكم أأدخل فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». أخرجه أبو داود (ق) عن أبي سعيد وأبيّ ابن كعب عن أبي موسى قال أبو سعيد :«كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال : استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت قال ما منعك قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قال واللّه لتقيمن عليه بينة أمنكم أحد سمعه من النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال أبي بن كعب فو اللّه لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك.
قال الحسن الأول إعلام والثاني مؤامرة والثالث استئذان بالرجوع عن عبد اللّه بن بسر قال «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم»
وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور أخرجه أبو داود وعن أبي هريرة قال :«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن» أخرجه أبو داود وقيل إذا وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلّا قدم الاستئذان ثم يسلم. وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم يدل عليه ما روي «عن عطاء بن يسار أن رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : أستأذن على أمي؟ قال نعم فقال الرجل إني معها في البيت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها» أخرجه مالك في الموطأ مرسلا وقوله تعالى ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي فعل الاستئذان خير لكم وأولى بكم من التهجم بغير إذن لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي هذه الآداب فتعملوا بها. قوله عزّ وجلّ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أي البيوت أَحَداً أي يأذن لكم في دخولها فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ أي في الدخول وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا يعني إذا كان في البيت قوم وكرهوا دخول الداخل عليهم فقالوا ارجع فليرجع ولا يقف على الباب ملازما هُوَ أَزْكى لَكُمْ أي الرجوع هو أطهر وأصلح لكم فإنّ للناس أحوالا وحاجات يكرهون الدخول عليهم في تلك الأحوال وإذا حضر إلى الباب فلم يستأذن وقعد على الباب منتظرا جاز.
كان ابن عباس يأتي دور الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب ولا يستأذن حتى يخرج إليه الرجل فإذا خرج ورآه قال يا ابن عم رسول اللّه لو أخبرتني بمكانك فيقول هكذا أمرنا أن نطلب العلم. وإذا وقف على الباب فلا ينظر من شقه إذا كان الباب مردودا (ق) «عن سهل بن سعد قال «اطلع رجل من جحر في باب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مدرى يرجل وفي رواية يحك به رأسه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الإذن من أجل البصر» (ق) عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه» وفي رواية النسائي قال «لو أن أمرأ أطلع عليك بغير إذن فحذفته ففقأت عينه ما كان عليك حرج» وقال مرة أخرى جناح وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ يعني من الدخول بالإذن ولما نزلت آية الاستئذان قالوا كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها ساكن فأنزل اللّه تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ يعني إثم أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ يعني بغير استئذان فِيها مَتاعٌ لَكُمْ يعني منفعة لكم قيل إن هذه البيوت هي الخانات والمنازل المبنية للسابلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم فيها فيجوز دخولها بغير استئذان ولمنفعة النزول بها واتقاء الحر والبرد وإيواء الأمتعة بها.


الصفحة التالية
Icon