لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٩٤
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (م) عن الأغر أغر مزينة قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «توبوا إلى ربكم فو اللّه إني لأتوب إلى ربي تبارك وتعالى مائة مرة في اليوم» عن ابن عمر قال إن كنا لنعد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المجلس يقول :«رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة» أخرجه عبد الرحمن بن حميد الكشي (ق) عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«اللّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» (م) عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه». قوله عزّ وجلّ :
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٢]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ جمع الأيم يطلق على الذكر والأنثى وهو من لا زوج له من رجالكم ونسائكم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ أي من عبيدكم وَإِمائِكُمْ بيان حكم الآية الأمر المذكور في الآية أمر ندب واستحباب لإجماع السلف عليه فيستحب لمن تاقت نفسه إلى النكاح ووجد أهبته أن يتزوج وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم (ق) عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». الباءة النكاح ويكنى به عن الجماع أيضا والوجاء بكسر الواو رض الأنثيين وهو نوع من الخصاء شبه الصوم في قطعه شهوة النكاح بالوجاء الذي يقطع النسل عن معقل بن يسار قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» أخرجه أبو داود والنسائي (م) عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» أما من لا تتوق نفسه إلى النكاح وهو قادر عليه فالتخلي للعبادة أفضل له من النكاح عند الشافعي وعند أصحاب الرأي النكاح أفضل. قال الشافعي : قد ذكر اللّه عبدا أكرمه فقال وسيدا حصورا وهو الذي لا يأتي النساء وذكر القواعد من النساء ولم يندبهن إلى النكاح وفي الآية دليل على أن تزويج الأيامى إلى الأولياء لأن اللّه خاطبهم به كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات. وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم روي ذلك عن عمر وعلي وعبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عباس وأبي هريرة وعائشة.
وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وعبد اللّه بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وجوز أصحاب الرأي للمرأة تزويج نفسها وقال مالك إن كانت المرأة دنيئة يجوز لها تزويج نفسها وإن كانت شريفة فلا والدليل على أن الولي شرط في النكاح ما روي عن أبي موسى الأشعري قال :
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا نكاح إلا بولي» أخرجه أبو داود والترمذي ولهما عن عائشة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له». وقوله تعالى إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ قيل الغنى هنا القناعة وقيل :
هو اجتماع الرزقين رزق الزوج والزوجة وقال عمر بن الخطاب. عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح واللّه تعالى يقول إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله وقال بعضهم إن اللّه وعد الغنى بالنكاح وبالتفرق فقال تعالى «إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله» وقال «و إن يتفرقا يغني كلا من سعته» وَاللَّهُ واسِعٌ يعني أنه ذو الإفضال والجود عَلِيمٌ أي بما يصلح خلقه من الرزق قوله تعالى :