لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣١١
قالُوا يعني المعبودين سُبْحانَكَ نزهوا اللّه سبحانه وتعالى من أن يكون معه آلهة ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه، ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك ونحن عبيدك وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ أي بطول العمر والصحة والنعمة في الدنيا حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه وَكانُوا قَوْماً بُوراً معناه هلكى أي غلب عليهم الشقاء والخذلان فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون بِما تَقُولُونَ يعني أنهم آلهة فَما تَسْتَطِيعُونَ أي الآلهة صَرْفاً أي صرف العذاب عن أنفسهم وَلا نَصْراً يعني ولا نصر أنفسهم وقيل لا ينصرونكم أيها العابدون بدفع العذاب عنكم وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني يشرك نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً.
قوله عز وجل وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ أي يا محمد مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ قال ابن عباس : لما عير المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أنزل اللّه تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من اللّه تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن وما أنا إلا رسول ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وهم كانوا بشرا مثلي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى، قيل : نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع، قد أسلم قبله فأنف وقال : أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل : نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالا، وصهيبا وعامر بن فهيرة وذويهم، قد أسلموا قبلهم فقالوا : نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل : نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم من موالينا وأراذلنا فقال اللّه تعالى لهؤلاء المؤمنين أَتَصْبِرُونَ أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكن مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً أي بمن صبر وبمن جزع (ق) عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم» لفظ البخاري و
لمسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة اللّه عليكم».
قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي يخافون البعث والرجاء، بمعنى الخوف لغة تهامة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فتخبرنا أن محمدا صادق أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا بذلك لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا أي تعظموا فِي أَنْفُسِهِمْ بهذه المقالة وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً أي طغوا وقيل عتوا في القول وهو أشد الكفر والفحش وعتوهم، طلبهم رؤية اللّه حتى يؤمنوا به. قوله تعالى يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ أي عند الموت وقيل يوم القيامة لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين، يوم القيامة ويقولون للكفار : لا بشرى لكم وقيل : لا بشارة لهم بالجنة كما بشر المؤمن وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً قال ابن عباس تقول الملائكة حراما محرما أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، وقيل : إذا خرج الكفار من قبورهم تقول لهم الملائكة حراما محرما عليكم أن تكون لكم البشرى وقيل هذا قول : الكفار للملائكة وذلك أن العرب كانت إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون قالوا حجرا محجورا فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قوله عز وجل وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ يعني من أعمال البر التي عملوها في حال الكفر فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً أي باطلا لا ثواب له


الصفحة التالية
Icon