لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣١٣
بالمعصية والكفر لطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه، قال عطاء : يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه ثم ينبتان، ثم يأكلهما هكذا كلما نبتت يده أكلها على ما فعل، تحسرا وندامة يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ أي في الدنيا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا أي ليتني اتبعت محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم واتخذت معه طريقا إلى الهداية يا وَيْلَتى دعا على نفسه بالويل لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا قيل يعني أبي بن خلف لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ أي عن الإيمان والقرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي يعني الذكر مع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وَكانَ الشَّيْطانُ وهو كل متمرد عات صد عن سبيل اللّه من الجن والإنس لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أي كثير الخذلان يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب به وحكم الآية عام في كل خليلين، ومتحابين اجتمعا على معصية اللّه (ق) عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة» عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أخرجه أبو داود والترمذي.
ولهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي». قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٠ الى ٤٠]
وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠)
وَقالَ الرَّسُولُ يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً أي متروكا وأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل جعلوه بمنزلة الهجر وهو السيئ من القول فزعموا أنه سحر وشعر، والمعنى أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، يشكو قومه إلى اللّه عز وجل يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، فعزاه اللّه تعالى فقال وَكَذلِكَ جَعَلْنا أي وكما جعلت لك أعداء من مشركي مكة، وهم قومك كذلك جعلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ أي المشركين والمعنى لا يكبرن عليك ذلك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم، فصبروا فاصبر أنت كما صبروا فإني ناصرك، وهاديك وهو قوله تعالى وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً أي كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود صلوات اللّه عليهم أجمعين قال اللّه كَذلِكَ فعلنا ذلك لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي أنزلناه مفرقا لنقوي به قلبك، فتعيه وتحفظه فإن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء، يكتبون ويقرءون وأنزلنا القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور تحدث في أوقات مختلفة ففرقناه ليكون أوعى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأيسر على العامل به وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا.