لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣١٧
إن تركوه وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً أي معينا أعان الشيطان على ربه بالمعاصي لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان وقيل معنى ظهيرا هينا ذليلا من قولك ظهرت بفلان إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه وقيل أراد بالكافر أبا جهل والأصح أنه عام في كل كافر. وقوله تعالى : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً أي بالثواب على الإيمان والطاعة وَنَذِيراً منذرا بالعقاب على الكفر والمعصية قُلْ يا محمد ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على تبليغ الوحي مِنْ أَجْرٍ فتقولون إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعوننا إليه فلا نتبعه إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا معناه لكن من شاء أن يتخذ بإنفاق ماله سبيلا إلى ربه فعلى هذا يكون المعنى لا أسألكم لنفسي أجرا، ولكن أمنع من إنفاق المال إلا في طلب مرضاة اللّه، واتخاذ السبيل إلى جنته. قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٨ الى ٦٤]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)
وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ معناه أنه سبحانه وتعالى لما أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن لا يطلب منهم أجرا البتة أمره أن يتوكل عليه في جميع أموره، وإنما قال على الحي الذي لا يموت لأن من توكل على حي يموت انقطع توكله عليه بموته، وأما اللّه سبحانه وتعالى فإنه حي لا يموت فلا ينقطع توكل من توكل عليه، ولا يضيع البتة وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ أي صل له شكرا على نعمه وقيل : معناه قل سبحان اللّه والحمد للّه وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً يعني أنه تعالى عالم بجميع ذنوب عباده فيجازيهم بها. وقيل : معناه أنه لا يحتاج معه إلى غيره لأنه خبير عالم قادر على مكافأتهم وفيه وعيد شديد، كأنه إذا قدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة. قوله عز وجل الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً أي فاسأل الخبير بذلك، يعني بما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش. وقيل : معناه أيها الإنسان لا ترجع في طلب العلم، بهذا إلى غيري وقيل معناه فاسأل عنه خبيرا وهو اللّه تعالى وقيل : هو جبريل عليه السلام وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أي ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب كانوا يسمونه رحمان اليمامة أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أنت يا محمد وَزادَهُمْ يعني قول القائل اسجدوا للرحمن نُفُوراً يعني عن الإيمان والسجود.
فصل
وهذه السجدة من عزائم السجدات فيسن للقارئ، والمستمع أن يسجدا عند سماعها وقراءتها. قوله تعالى تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً قيل : البروج هي النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها، وقيل : البروج قصور فيها الحرس. وقال ابن عباس : هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت سميت بالبروج، التي هي القصور العالية لأنها للكواكب كالمنازل لسكانها وَجَعَلَ فِيها سِراجاً يعني الشمس وَقَمَراً مُنِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً قال ابن عباس معناه خلفا، وعوضا يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن