لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣١٩
جارك، فأنزل اللّه تعالى تصديقه، والذين لا يدعون مع اللّه إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ولا يزنون» وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً أي ومن يفعل شيئا من ذلك يلق أثاما قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم، وقيل عقوبة وقيل : الأثام واد في جهنم ويروى في الحديث «أن الغي والأثام بئران في جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وسبب تضعيف العذاب، أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك يضاعف له العذاب على شركه ومعصيته وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً أي ذليلا.
قوله تعالى إِلَّا مَنْ تابَ أي عن ذنبه وَآمَنَ يعني بربه وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً أي فيما بينه وبين ربه روي عن ابن عباس رضي اللّه عنه عنهما قال : قرأناها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سنين والذين لا يدعون مع اللّه إلها آخر الآية ثم نزلت إلا من تاب فما رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فرح بشيء قط مثل ما فرح بها وفرحه بإنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر». وقوله تعالى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً قال ابن عباس : يبدلهم اللّه بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانا وقيل يبدل اللّه سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة (م) عن أبي ذر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها فيقال له : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له إن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا قال فلقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه وقيل إن اللّه تعالى يمحو بالندم جميع السيئات ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧١ الى ٧٧]
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥)
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً قيل هذا في التوبة من غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ومعناه، ومن تاب من الشرك وعمل صالحا يعني أدّى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ أي يعود إليه بعد الموت مَتاباً أي حسنا يفضل على غيره ممن قتل وزنا فالآية الأولى وهي قوله : ومن تاب رجوع عن الشرك والثانية رجوع إلى اللّه للجزاء والمكافأة. وقيل : هذه الآية أيضا في التوبة عن جميع السيئات ومعناه ومن أراد التوبة، وعزم عليها فليتب إلى اللّه فقوله يتوب إلى اللّه خبر بمعنى الأمر أي تب إلى اللّه وقيل معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى اللّه تعالى. قوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ يعني الشرك وقيل هي شهادة الزور (ق) عن أبي بكر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول اللّه قال :
الإشراك باللّه وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه ويطوف به في الأسواق وقيل :
لا يشهدون الزور يعني أعياد المشركين وقيل : الكذب وقيل : النوح وقيل لا يساعد أهل الباطل على باطلهم وقيل الزور اللهو واللعب والغناء. قال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. وأصل الزور