لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٣٣
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال : خذوا باسم اللّه فأكل القوم حتى ما لهم بشيء من حاجة وايم اللّه أن كان الرجل الواحد ليأكل، مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا، وايم اللّه أن كان الرجل الواحد ليشرب مثله فلما أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال الغد يا : علي فإن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فاعدد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم أجمعهم ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخبري الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عز وجل أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على أمري هذا، ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا، وأنا أحدثهم سنا فقلت أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي، ثم قال هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيعه» (ق) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش، حتى اجتمعوا فجعل الذي لم يستطع أن يخرج يرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وفي رواية قد تب وفي رواية للبخاري، لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه، فقالوا من هذا واجتمعوا إليه وذكر نحوه (ق) عن أبي هريرة قال قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أنزل اللّه تعالى «و أنذر عشيرتك الأقربين وقال يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من اللّه شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من اللّه شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من اللّه شيئا، ويا صفية عمة رسول اللّه لا أغني عنك من اللّه شيئا ويا فاطمة بنت رسول اللّه سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من اللّه شيئا» (م) عن قبيصة بنت مخارق وزهير بن عمرو قالا لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رضمة جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى «يا بني عبد مناف إني نذير لكم إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف يا صباحاه» ومعنى الآية أن الإنسان إذا بدأ بنفسه أولا وبالأقرب فالأقرب من أهله ثانيا لم يكن لأحد عليه طعن البتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٥ الى ٢٢٧]
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
وَاخْفِضْ أي ألن جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فإن قلت ما معنى التبعيض في قوله «من المؤمنين» وقلت : معناه لمن اتبعك من المؤمنين المصدقين بقلوبهم وألسنتهم دون المؤمنين بألسنتهم وهم


الصفحة التالية
Icon