لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٣٥
النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد اللّه بن رواحة قتل يوم مؤتة، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك قلت الصحيح، هو الأول لأن عمرة القضاء كانت سنة سبع ويوم مؤتة سنة ثمان واللّه أعلم (ق) عن البراء أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يوم قريظة لحسان :«أهج المشركين فإن جبريل معك» (خ) عن عائشة قالت «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وينافح ويقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إن اللّه يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول اللّه» (م) عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل فأرسل إلى ابن رواحة فقال :
اهجهم فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه حسان : قال :
قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال : يا رسول اللّه قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق نبيا لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين قالت عائشة : فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لحسان : إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللّه ورسوله قالت وسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول هجاهم حسان فشفى واشتفى»
فقال حسان :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند اللّه في ذاك الجزاء
هجوت محم دا برا تقيا رسول اللّه شيمته الوفاء
فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لمم تروها تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأعنة مصعدات على أكنافها الأسل الظماء
تظل جيادها متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز اللّه فيه من يشاء
وقال اللّه قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء
وقال اللّه قد سيرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول اللّه منكم ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول اللّه فينا وروح القدس ليس له كفاء

فصل في مدح الشعر


(خ) عن أبي بن كعب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إن من الشعر لحكمة» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل يتكلم بكلام فقال «إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما» أخرجه أبو داود (م) عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال :«ردفت وراء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء، قلت نعم قال : هيه : فأنشدته بيتا فقال : هيه ثم أنشدته بيتا قال : هيه حتى أنشدته مائة بيت زاد في رواية لقد كاد يسلم في شعره» عن جابر بن سمرة قال :«جالست النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت وربما تبسم معهم» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح.
وقالت عائشة : الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ منه الحسن ودع منه القبيح. وقال الشعبي : كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان علي أشعر منهما وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر ويستنشده في


الصفحة التالية
Icon