لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٤٧
بعض ثم أغلقت عليه سبعة أبواب، ووكلت به حراسا يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على ملكها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد، ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن كل قيل تحت يده ألوف كثيرة، قال ابن عباس : وكان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه قال ما هذا؟ قالوا : بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان فأقبل سليمان على جنوده قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قال ابن عباس يعني طائعين وقيل مؤمنين. قيل :
غرض سليمان في إحضار عرشها ليريها قدرة اللّه تعالى وإظهار معجزة دالة على نبوته، وقيل أراد أن ينكره ويغيره قبل مجيئها ليختبر بذلك عقلها وقيل : إن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه لأنه أعجبه وصفه، لما وصفه له الهدهد وقيل أراد أن يعرف قدر ملكها لأن السرير على قدر المملكة قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ وهو المارد القوي، وقال ابن عباس العفريت الداهية قال وهب : اسمه كوذي.
وقيل : ذكوان. وقيل : هو صخر المارد وكان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي مجلس قضائك قال ابن عباس : وكان له في الغداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار وقيل نصفه وَإِنِّي عَلَيْهِ أي على حمله لَقَوِيٌّ أَمِينٌ أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان : أريد أسرع من ذلك.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ قيل هو جبريل. وقيل : هو ملك أيد اللّه به سليمان وقيل هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وقيل هو سليمان نفسه لأنه أعلم بني إسرائيل بالكتاب وكان اللّه قد آتاه علما وفهما، فعلى هذا يكون المخاطب العفريت الذي كلمه فأراد سليمان إظهار معجزة، فتحداهم أولا ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتأتى للعفريت قيل : كان الدعاء الذي دعا به : يا ذا الجلال والإكرام وقيل : يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، وقال ابن عباس : إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمن ودعا آصف، فبعث اللّه الملائكة فحملوا السرير يجرون به تحت الأرض، حتى نبع من بين يدي سليمان وقيل : خر سليمان ساجدا ودعا باسم اللّه الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر عند كرسي سليمان فقال :
ما قال أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قال سليمان : هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد عند اللّه أوجه منك فإن دعوت اللّه كان عندك : قال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت فَلَمَّا رَآهُ يعني رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي محولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي يعني لتمكن من حصول المراد أَأَشْكُرُ أي نعمته علي أَمْ أَكْفُرُ فلا أشكرها وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما