لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٥١
قدرته. والمعنى الأصنام خير أم الذي خلق السموات والأرض ثم ذكر نعمه فقال وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ أي بساتين جمع حديقة، وهو البستان المحيط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة ذاتَ بَهْجَةٍ أي ذات منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراه ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يعني ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون على ذلك لأن الإنسان قد يقول : أنا المنبت للشجرة بأن أغرسها وأسقيها الماء فأزال هذه الشبهة بقوله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها لأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، والطعوم والروائح المختلفة والزروع تسقى بماء واحد، لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى ولا يتأتى لأحد وإن تأتى ذلك لغيره محال أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعني هل معه معبود أعانه على صنعه بَلْ يعني ليس معه إله ولا شريك هُمْ قَوْمٌ يعني كفار مكة يَعْدِلُونَ يشركون وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر إلى الباطل. النوع الثاني قوله عز وجل أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً أي دحاها وسواها للاستقرار عليها، وقيل لا تميد بأهلها وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً أي وسطها بأنهار تطرد بالمياه وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ يعني العذب والملح حاجِزاً أي مانعا لا يختلط أحدهما بالآخر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي توحيد ربهم وقدرته وسلطانه.
النوع الثالث قوله تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ أي المكروب المجهود، وقيل : المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر يعني إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى اللّه تعالى وقيل : هو المذنب إذا استغفر إِذا دَعاهُ يعني فيكشف ضره وَيَكْشِفُ السُّوءَ أي الضر لأنه لا يقدر على تغيير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة ومن ضيق إلى سعة إلا القادر، الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب ولا ينازع وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أي سكانها، وذلك أنه ورثهم سكانها والتصرف فيها قرنا بعد قرن وقيل يجعل أولادكم خلفاء لكم وقيل : جعلكم خلفاء الجن في الأرض أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أي تتعظون. النوع الرابع قوله عز وجل أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي يهديكم بالنجوم والعلامات إذا جن عليكم الليل مسافرين في البر والبحر وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ النوع الخامس قوله تعالى :
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦٤ الى ٧٨]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨)
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ أي نطفا في الأرحام ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الموت وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي حجتكم على قولكم إن مع اللّه إلها