لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٦٤
مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ جعلها اللّه مباركة لأن اللّه تعالى كلم موسى هناك وبعثه نبيا وقيل يريد البقعة المقدسة مِنَ الشَّجَرَةِ يعني من ناحية الشجرة قال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء تبرق وقيل كانت عوسجة وقيل كانت من العليق وعن ابن عباس إنها العناب أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قيل إن موسى لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا اللّه تعالى فعلم بذلك أن المتكلم هو اللّه تعالى. وقيل : إن اللّه تعالى خلق في نفس موسى علما ضروريا بأن المتكلم هو اللّه تعالى وأن ذلك الكلام كلام اللّه تعالى. وقيل : إنه قيل لموسى كيف عرفت أنه نداء اللّه قال إني سمعته بجميع أجزائي فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم بذلك أنه لا يقدر عليه أحد إلا اللّه تعالى وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ يعني فألقاها فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ يعني تتحرك كَأَنَّها جَانٌّ هي الحية الصغيرة والمعنى أنها في سرعة حركتها كالحية السريعة الحركة وَلَّى مُدْبِراً يعني هاربا منها وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني ولم يرجع قال وهب إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها حتى إن موسى سمع صرير أسنانها وقعقعة الشجر والصخر في جوفها فحينئذ ولى مدبرا ولم يعقب فنودي عند ذلك يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ.
قوله عز وجل اسْلُكْ يَدَكَ يعني أدخل يدك فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني برص والمعنى أنه أدخل يده فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ يعني من الخوف والمعنى إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى وقال ابن عباس : أمر اللّه موسى أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. وقيل المراد من ضم الجناح السكون أي سكن روعك واخفض عليك جناحك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه. وقيل الرهب الكم بلغة حمير ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من كمك لأنه تناول العصا ويده في كمه فَذانِكَ يعني العصا واليد البيضاء بُرْهانانِ يعني آيتان مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ يعني خارجين عن الحق قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً يعني القبطي فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ يعني به وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً يعني بيانا وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يعني عونا يُصَدِّقُنِي يعني فرعون وقيل تصديق هارون هو أن يلخص الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل الكفار فهذا هو التصديق المفيد إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ يعني فرعون وقومه قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ يعني سنقويك به وكان هارون بمصر وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً يعني حجة وبرهانا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما أي بقتل ولا سوء بِآياتِنا قيل معناه نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ يعني لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]
فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥)