لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٧١
أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا
وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ يعني اطلب فيما أعطاك اللّه من الأموال الجنة وهو أن تقوم بشكر اللّه فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا اللّه وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أي لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل فيها للآخرة بالصدقة وصلة الرحم وقيل لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة. عن عمرو بن ميمون الأزدي قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجل وهو يعظه :«اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» هذا حديث مرسل وعمرو بن ميمون لم يلق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي أحسن بطاعة اللّه كما أحسن إليك بنعمته وقيل أحسن إلى الناس وَلا تَبْغِ أي ولا تطلب الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ وكل من عصى اللّه فقد طلب الفساد في الأرض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ يعني قارون إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أي على فضل وخير علمه اللّه عندي فرآني أهلا لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره.
وقيل هو علم الكيمياء وكان موسى يعلمه فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، فكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبا وكان ذلك سبب كثرة أمواله وقيل كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب قال اللّه عز وجل أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً أي للأموال وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ قيل معناه أن اللّه تعالى إذا أراد عقاب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم لأنه عالم بحالهم وقيل لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع وقيل لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم. قوله عز وجل فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قيل : خرج هو وقومه وهم سبعون ألفا عليهم الثياب الحمر والصفر والمعصفرات وقيل خرج على براذين بيض عليها سرج الأرجوان.
وقيل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثمائة جارية بيضاء عليهم الحلي والثياب الحمر وهن على البغال الشهب قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي من المال.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي بما وعد اللّه في الآخرة وقال ابن عباس : يعني الأحبار من بني إسرائيل للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ أي ما عند اللّه من الثواب والخير خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ أي صدق بتوحيد اللّه وَعَمِلَ صالِحاً أي ذلك خير مما أوتي قارون في الدنيا وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ أي لا يؤتى الأعمال الصالحة إلا الصابرون وقيل لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ إِلَّا الصَّابِرُونَ أي على طاعة اللّه وعن زينة الدنيا. قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ.
ذكر قصة قارون :
قال أهل العلم بالأخبار والسير : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة