لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤١٣
من اللّه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب بن أسد العهد وبرىء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلما انتهى الخبر إلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإلى المسلمين بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة وهو يومئذ سيد بني الخزرج، ومعهما عبد اللّه بن رواحة أخو الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف. فقال : انطلقوا حتى تنظروا ما بلغنا عن هؤلاء القوم أحق أم لا فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا للناس، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ونالوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا : لا عقد بيننا وبينه ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا عنده حدة، فقالله سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسلموا وقالوا : عضل والقارة لغدر، عضل والقارة بأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه. فقال : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اللّه أكبر أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورا.
وقال : أوس بن قيظي أحد بني حارثة يا رسول اللّه إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك على ملأ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأقام المشركون عليها بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فجرى بينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما فيه. فقالا : يا رسول اللّه أشيء أمرك اللّه به لا بدلنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا. قال بل شيء أصنعه لكم واللّه ما أصنع ذلك إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم. فقال : له سعد بن معاذ يا رسول اللّه قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك باللّه وعبادة الأصنام لا نعبد اللّه ولا نعرفه ولا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا فحين أكرمنا اللّه بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة واللّه ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم اللّه بيننا وبينهم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال، إلا أن فوارس من قريش عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد اللّه بن ضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم، فمروا على بني كنانة فقالوا تهيؤوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا عليه فلما رأوه قالوا واللّه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا وضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليه الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله، قال علي يا عمرو إنك كنت تعاهد اللّه لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما. قال : أجل قال له علي : فإني أدعوك إلى اللّه ورسوله وإلى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك. قال :
إني أدعوك إلى النزال قال : ولم يا ابن أخي فو اللّه ما أحب أن أقتلك. فقال علي : لكني واللّه أحب أن أقتلك