لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٢٦
قالتا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما بال ربنا يذكر الرجال، ولا يذكر النساء في شيء في كتابه ونخشى أن لا يكون فيهن خير فنزلت هذه الآية وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فدخلت على نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت يا رسول اللّه : إن النساء لفي خيبة وخسار قال «و مم ذلك» قالت : لأنهن لم يذكرن بخير كما ذكر الرجال فأنزل اللّه إن المسلمين والمسلمات فذكر لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحهن بها معهم الأولى الإسلام وهو الانقياد لأمر اللّه تعالى وهو قوله : إن المسلمين والمسلمات، الثانية الإيمان بما يراد به أمر اللّه تعالى وهو تصحيح الاعتقاد وموافقة الظاهر للباطن، وهو قوله وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الثالثة الطاعة وهو قوله وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ الرابعة الصدق في الأقوال والأفعال وهو قوله وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ الخامسة الصبر على ما أمر اللّه وفيما ساء وسر وهو قوله وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ السادسة الخشوع في الصلاة وهو أن لا يلتفت وقيل : هو التواضع وهو قوله وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ السابعة الصدقة مما رزق اللّه وهو قوله وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ الثامنة المحافظة على الصوم وهو قوله وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ التاسعة العفة وهو قوله وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ يعني عما لا يحل وَالْحافِظاتِ العاشرة كثرة الذكر وهو قوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وقيل لا يكون العبد منهم حتى يذكر اللّه قائما وقاعدا ومضطجعا، وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال «سبق المفردون قالوا : يا رسول اللّه وما المفردون قال الذاكرون اللّه كثيرا والذاكرات» وقال عطاء بن أبي رباح من فوّض أمره إلى اللّه،
فهو داخل في قوله إن المسلمين والمسلمات ومن أقر بأن اللّه ربه ومحمدا رسوله، ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله والمؤمنين والمؤمنات ومن أطاع اللّه في الفرض والرسول في السنة، فهو داخل في قوله والقانتين والقانتات، ومن صان قوله عن الكذب، فهو داخل في قوله والصادقين والصادقات ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية، فهو داخل في قوله والصابرين والصابرات ومن صلى، فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله، فهو داخل في قوله والخاشعين والخاشعات ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم، فهو داخل في قوله والمتصدقين والمتصدقات ومن صام في كل شهر أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله والصائمين والصائمات، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله والحافظين فروجهم والحافظات ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله والذاكرين اللّه كثيرا والذاكرات أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً أي بمحو ذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً يعني الجنة. قوله تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧)
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد اللّه بن جحش، وأمهما أمية بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خطب زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اشترى زيدا في الجاهلية بعكاظ وأعتقه، وتبناه فلما خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت : أنا ابنة عمتك يا رسول اللّه فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة وفيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل اللّه تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عبد اللّه بن جحش وَلا مُؤْمِنَةٍ يعني أخته زينب إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ