لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٣٤
ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب زاد في رواية قال دخل يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم البيت وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة وهو يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى قوله وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (ق) عن عائشة «أن أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كن يخرجن بالليل، إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، وكان عمر رضي اللّه عنه يقول للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، احجب نساءك فلم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل اللّه الحجاب» المناصع المواضع الخالية، لقضاء الحاجة من البول أو الغائط والصعيد وجه الأرض والأفيح الواسع (ق)، عن أنس وابن عمر أن عمر قال «وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقلت : يا رسول اللّه يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية الحجاب واجتمع نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك.
وقال ابن عباس : إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون، ولا يخرجون وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتأذى بهم، فنزلت الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ يعني إلا أن تدعوا إِلى طَعامٍ فيؤذن لكم فتأكلون غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ يعنى منتظرين نضجه ووقت إدراكه وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ أي أكلتم الطعام فَانْتَشِرُوا أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أي فيستحيي من إخراجكم وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، قال لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب اللّه به الثقلاء، وقيل :
بحسبك من الثقلاء أن اللّه لم يحتملهم وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً أي وإذا سألتم نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حاجة فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متنقبة كانت أو غير متنقبة ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ أي من الريب وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً نزلت في رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال إذا : قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلأنكحن عائشة. قيل هو طلحة بن عبيد اللّه فأخبر اللّه أن ذلك محرم، وقال إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً أي ذنبا عظيما وهذا من إعلام تعظيم اللّه لرسوله اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإيجاب حرمته حيا وميتا وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٤ الى ٥٦]
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أي من أمر نكاحهن على ألسنتكم أَوْ تُخْفُوهُ أي في صدوركم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي يعلم سركم وعلانيتكم، نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل : قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا، فنزلت هذه الآية، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء