لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٤٢
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا يعني في ابطال أدلتنا معجزين يعني يحسبون أنهم يفوتوننا أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ قيل الرجز سوء العذاب وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد اللّه بن سلام وأصحابه، وقيل هم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني القرآن هُوَ الْحَقَّ يعني أنه من عند اللّه وَيَهْدِي أي القرآن إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي إلى دين الإسلام وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي المنكرين للبعث المتعجبين منه هَلْ نَدُلُّكُمْ أي قال بعضهم لبعض هل ندلكم عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ يعنون محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم معناه يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب وهي أنكم إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق، وصرتم ترابا إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي يقول إنكم تبعثون وتنشئون خلقا جديدا بعد أن تكونوا رفاتا وترابا أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي أهو مفتر على اللّه كذبا فيما ينسب إليه من ذلك؟ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه قال اللّه تعالى : ردا عليهم ليس بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم من الافتراء والجنون شيء وهو مبرأ منهما بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني منكري البعث فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي عن الحق في الدنيا أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي فيعلموا أنهم حيث كانوا في أرضي وتحت سمائي، فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا قادر عليهم إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أي كما خسفنا بقارون أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي كما فعلنا بأصحاب الأيكة إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما ترون في السماء والأرض لَآيَةً أي تدل على قدرتنا على
البعث بعد الموت لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي تائب راجع إلى اللّه تعالى بقلبه. قوله عز وجل وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يعني النبوة والكتاب. وقيل الملك وقيل هو جميع ما أوتي من حسن الصوت، وغير ذلك مما خص به يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي وقلنا يا جبال سبحي معه إذا سبح وقيل : رجعي معه إذا رجع ونوحي معه إذا ناح وَالطَّيْرَ أي وأمرنا الطير أن تسبح معه فكان داود إذا نادى بالتسبيح أو بالنياحة أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا لحقه ملل أو فتور أسمعه اللّه تعالى تسبيح الجبال فينشط له وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ يعني كان الحديد في يده كالشمع أو كالعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قيل سبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج إلى الناس متنكرا فإذا رأى إنسانا لا يعرفه تقدم إليه، وسأله عن داود فيقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض اللّه له ملكا في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله فقال الملك : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود عليه الصلاة والسلام، ذلك، وقال ما هي يا عبد اللّه قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسأل اللّه تعالى أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان اللّه له الحديد وعلمه صنعة الدروع وأنه أول من اتخذها، وكانت قبل ذلك صفائح وقيل إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف فيأكل منها، ويطعم عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين وقد صح في الحديث أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «قال كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده» أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أي دروعا كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض قيل : كان يعمل كل يوم درعا وَقَدِّرْ فِي