لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٤٧
عنده لأنه عالم الغيب وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يعني رقيب وقيل حفيظ بمعنى حافظ. قوله تعالى قُلِ يعني قل يا محمد لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ يعني أنهم آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ والمعنى ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، ثم وصف عجز الآلهة فقال تعالى لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني من خير وشر ونفع وضر وَما لَهُمْ يعني للآلهة فِيهِما يعني في السموات، الأرض مِنْ شِرْكٍ يعني من شركة وَما لَهُ يعني للّه مِنْهُمْ يعني من الآلهة مِنْ ظَهِيرٍ عون.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٣ الى ٣١]
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يعني أذن اللّه له في الشفاعة قاله تكذيبا للكفار حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه وقيل : يجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن اللّه في أن يشفع له حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ معناه كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم قيل هم الملائكة وسبب ذلك من غشية تصيبهم عند سماع كلام اللّه تعالى (خ) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إذا قضى اللّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها» فإذا فزع عن قلوبهم قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الذي قال الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وللترمذي «إذا قضى اللّه في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير» قال الترمذي حديث حسن صحيح قوله : خضعا جمع خاضع وهو المنقاد المطمئن والصفوان الحجر الأملس عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال «إذا تكلم اللّه بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كجر السلسلة على الصفاة، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول الحق فيقولون الحق» أخرجه أبو داود.
الصلصلة صوت الأجراس الصلبة بعضها على بعض، وقيل : إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة، قيل كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة أو ستمائة، لم تسمع الملائكة فيها صوت وحي فلما بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم كلم جبريل بالرسالة إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة، لأن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، عند أهل السموات من أشراط الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء، فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم : قالوا قال الحق يعني الوحي وهو العلي الكبير وقيل : الموصوفون بذلك هم المشركون وقيل إذا كشف الفزع عن قلوبهم عند نزول الموت قالت الملائكة لهم ماذا قال ربكم في الدنيا لإقامة الحجة عليهم؟ قالوا : الحق فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار وهو العلي الكبير أي ذو العلو والكبرياء.