لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٥٤
الطيب وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال ابن عباس أي يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، وقيل الكلم الطيب ذكر اللّه والعمل الصالح أداء الفرائض فمن ذكر اللّه، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وليس الإيمان بالتمني وليس بالتحلي ولكن ما وقرفي القلوب وصدقته الأعمال فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد اللّه عليه قوله ومن قال حسنا وعمل صالحا يرفعه العمل ذلك بأن اللّه يقول إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وجاء في الحديث «لا يقبل اللّه قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلا بنية» وقيل الهاء في يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يقبل عملا إلا أن يكون صادرا عن توحيد وقيل معناه العمل الصالح يرفعه اللّه وقيل العمل الصالح هو الخالص، وذلك أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ أي يعملون السيئات أي الشرك وقيل يعني الذين مكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في دار الندوة وقيل هم أصحاب الرياء لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ أي يبطل ويهلك في الآخرة. قوله عز وجل :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١١ الى ١٩]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني آدم ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعني ذريته ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً يعني أصنافا ذكرانا وإناثا وقيل زوج بعضكم بعضا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ يعني لا يطول عمر أحد وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ يعني عمر آخر، وقيل ينصرف إلى الأول قال سعيد بن جبير، مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة، ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان، ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره، وقيل معناه لا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب قال كعب الأحبار حين حضرت عمر الوفاة واللّه لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر، فقيل له إن اللّه تعالى يقول فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ قال : هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد ذلك وقرأ هذه الآية إِلَّا فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي كتابة الآجال والأعمال على اللّه هين. قوله تعالى وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ يعني العذب والمالح ثم وصفهما فقال هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي طيب يكسر العطش سائِغٌ شَرابُهُ أي سهل في الحلق هنيء مريء وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي شديد الملوحة يحرق الحلق بملوحته وقيل هو المر وَمِنْ كُلٍّ يعني من البحرين تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا يعني السمك وَتَسْتَخْرِجُونَ يعني من الملح دون العذب حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني اللؤلؤ والمرجان وقيل نسب اللؤلؤ إليهما لأنه يكون في البحر المالح عيون عذبة فتمتزج بالملح فيكون