لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٥٩
كَفَرَ
أي جحد هذه النعمة وغطمها فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي وبال كفره وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً يعني غضبا وقيل المقت أشد البغض وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً يعني في الآخرة قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام جعلتموها شركاء بزعمكم أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يعني أي جزء استبدوا بخلقه من الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أي خلق في السموات والأرض أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ أي على حجة وبرهان من ذلك بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ يعني الرؤساء بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً يعني قولهم هؤلاء الأصنام شفعاؤنا عند اللّه.
قوله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا يعني لكي لا تزولا فيمنعهما من الزوال والوقوع وكانتا جديرتين بأن تزولا وتهدهد العظم كلمة الشرك وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يعني ليس يمسكهما أحد سواه إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً يعني غير معاجل بالعقوبة حيث أمسكهما وكانتا قد همتا بعقوبة الكفار لولا حلمه وغفرانه وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يعني كفار مكة وذلك لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن اللّه اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم وأقسموا باللّه لو جاءنا نذير لنكونن أهدى دينا منهم وذلك قبل مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلما بعث محمد كذبوه فأنزل اللّه هذه الآية وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني رسول لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ يعني اليهود والنصارى فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ما زادَهُمْ مجيئه إِلَّا نُفُوراً يعني تباعدا عن الهدى اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ يعني عتوا وتكبرا عن الإيمان به وَمَكْرَ السَّيِّئِ يعني عمل القبيح وهو اجتماعهم على الشرك وقيل هو مكرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ يعني لا يحل ولا يحيط إلا بأهله فقتلوا يوم بدر قال ابن عباس عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك فَهَلْ يَنْظُرُونَ أي ينظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ يعني أن ينزل العذاب بهم كما نزل بمن مضى من الكفار فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي تغييرا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا أي تحويل العذاب عنهم إلى غيرهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ معناه أنهم يعتبرون بمن مضى وبآثارهم وعلامات هلاكهم وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ أي ليفوت عنه مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا أي من الجرائم ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها أي ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ أي من نسمة تدب عليها يريد بني آدم وغيرهم كما أهلك من كان في زمن نوح بالطوفان إلا من كان في السفينة وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني يوم القيامة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما يريد أهل طاعته وأهل معصيته وقيل بصيرا بمن يستحق العقوبة وبمن يستحق الكرامة واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
تم الجزء الثالث من تفسير الخازن ويليه الجزء الرابع، وأوله سورة يس عليه الصلاة والسلام