لباب التأويل، ج ٤، ص : ٩٩
على لسانهم أن ينسبوا مثله إلى الكذب وأنه افترى على اللّه كذبا وهو أقبح أنواع الكذب فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ أي يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم وقولهم إنه مفتر وقيل معناه يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك فأخبرهم أنه لو افترى على اللّه بالفعل به ما أخبر به في هذه الآية وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ أخبره اللّه تعالى أن ما يقولونه الباطل واللّه عز وجل يمحوه وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي يحق الإسلام بما أنزل من كتابه وقد فعل اللّه تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قال ابن عباس : لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره أنهم اتهموه وأنزل اللّه هذه الآية فقال القوم يا رسول اللّه فإنا نشهد أنك صادق فنزل قوله عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما يريد أولياؤه وأهل طاعته.
(فصل في ذكر التوبة وحكمها) قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين اللّه تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يقلع عن المعصية.
والثاني : أن يندم على فعلها.
والثالث : أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا.
فإذا حصلت هذه الشروط صحت التوبة وإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة والشرط الرابع أن يبرأ من حق صاحبها فهذه شروط التوبة وقيل التوبة الانتقال عن المعاصي نية وفعلا والإقبال على الطاعات نية وفعلا، وقال سهل بن عبد اللّه التستري : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة (خ).
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «و اللّه إني لأستغفر اللّه وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (م) عن الأغر بن بشار المزني قال «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يا أيها الناس توبوا إلى اللّه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» (ق) عن عبد اللّه بن مسعود قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «للّه أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقذ ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء اللّه قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه فاللّه أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده الدوية الفلاة والمفازة» (ق) عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «للّه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» ولمسلم عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «للّه أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة فرحه اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» عن صفوان بن عسال المرادي قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إن اللّه جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله وذلك قوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها» الآية أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح، وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما : عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إن اللّه عز وجل يقبل توبة العبد ما لم
يغرغر»
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م). عن أبي موسى


الصفحة التالية
Icon