لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٥١
كلها في الصدقات إنما يسألكم غيضا من فيض وهو ربع العشر من أموالكم وهو زكاة أموالكم ثم ترد عليكم ليس للّه ورسوله فيها حاجة إنما فرضها اللّه تعالى في أموال الأغنياء وردها على الفقراء فطيبوا بإخراج الزكاة أنفسكم.
وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينة ويدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى : إِنْ يَسْئَلْكُمُوها الضمير عائد إلى الأموال فَيُحْفِكُمْ يعني يجهدكم ويطلبها كلها والإحفاء المبالغة في المسألة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال :
أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح تَبْخَلُوا يعني بالمال فلا تعطوه وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ يعني بغضكم وعداوتكم لشدة محبتكم للأموال قال قتادة علم اللّه أن الإحفاء بمسألة الأموال مخرج للأضغان.
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٨]
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ يعني أنتم يا هؤلاء المخاطبون الموصفون ثم استأنف وصفهم فقال تعالى : تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل أراد به النفقة في الجهاد والغزو وقيل المراد به إخراج الزكاة وجميع وجوه البر والكل في سبيل اللّه فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ يعني بما فرض عليه إخراجه من الزكاة أو ندب إلى إنفاقه في وجوه البر وَمَنْ يَبْخَلْ يعني بالصدقة وأداء الفريضة فلا يتعداه ضر بخله وهو قوله تعالى : فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أي على نفسه وَاللَّهُ الْغَنِيُّ يعني عن صدقاتكم وطاعتكم لأنه الغني المطلق الذي له ملك السموات والأرض وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ يعني إليه وإلى ما عنده من الخيرات والثواب في الدنيا والآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني عن طاعة اللّه تعالى وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وعن القيام بما أمركم به وألزمكم إياه يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ يعني يكونون أطوع للّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم منكم. قال الكلبي : هم كندة والنخع من عرب اليمن. وقال الحسن : هم العجم. وقال عكرمة :
هم فارس والروم.
عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قالوا ومن يستبدل بنا قال فضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على منكب سلمان ثم قال هذا وأصحابه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وفي إسناده مقال وله رواية أخرى عن أبي هريرة قال :«قال ناس من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ذكر اللّه عز وجل إن تولينا استبدلوا منا ثم لا يكونوا أمثالنا قال وكان سلمان بجنب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخذ سلمان فقال هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس» ولهذا الحديث طرق في الصحيح ترد في سورة الجمعة إن شاء اللّه تعالى واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده.


الصفحة التالية
Icon