لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٧٩
إلى محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق فَضْلًا مِنَ اللَّهِ أي فعل ذلك بكم فضلا منه وَنِعْمَةً عليكم وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي بكم وبما في قلوبكم حَكِيمٌ في أمره بما تقتضيه الحكمة وقيل عليم بما في خزائنه من الخير والرحمة والفضل والنعمة حكيم بما ينزل من الخير بقدر الحاجة إليه على وفق الحكم.
قوله عز وجل : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. (ق) عن أنس قال : قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لو أتيت عبد اللّه بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : إليك عني واللّه لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار : واللّه لحمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد اللّه رجل من قومه، فتشاتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.
ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهم فأصلحوا وكف بعضهم عن بعض. (ق) عن أسامة بن زيد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركب على حمار عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال : فسار حتى مر على مجلس فيه عبد اللّه بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد اللّه بن أبيّ. وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأصنام واليهود وفي المسلمين عبد اللّه بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد اللّه بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال : لا تغيروا علينا. فسلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللّه تعالى وقرأ عليهم القرآن فقال عبد اللّه بن أبي ابن سلول : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذونا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد اللّه بن رواحة : بلى يا رسول اللّه فاغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك. واستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دابته.
وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مماراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر : لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف. وقيل : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل وكان بينهما وبين زوجها شيء فرقي بها إلى علية فحبسها فيها، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا وجاء معه قومه، فاقتتلوا بالأيدي والنعال، فأنزل اللّه عز وجل : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا. وقيل : المراد من الطائفتين الأوس والخزرج. فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما أي بالدعاء إلى حكم كتاب اللّه والرضا بما فيه لهما وعليهمافَإِنْ بَغَتْ
أي تعدت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى وأبت الإجابة إلى حكم كتاب اللّه فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ أي ترجع إِلى أَمْرِ اللَّهِ أي إلى كتابه الذي جعله حكما بين خلقه. وقيل : ترجع إلى طاعته في الصلح الذي أمر به فَإِنْ فاءَتْ أي رجعت إلى الحق فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ أي الذي يحملهما على الإنصاف والرضا بحكم اللّه وَأَقْسِطُوا أي اعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي العادلين.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٠]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أي في الدين والولاية ذلك أن الإيمان وقد عقد بين أهله من السبب والقرابة كعقد النسب الملاصق وإن بينهم ما بين الإخوة من النسب والإسلام لهم كالأب قال بعضهم :
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ أي إذا اختلفا واقتتلا وَاتَّقُوا اللَّهَ أي فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (ق).